للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[دفع الاعتراض]]

فالجواب عن الأول من أربعة أوْجُهٍ:

أحدها: أن الضرورة تبيح دخول المسجد للحائض والجنب؛ فإنها لو خافت العدو أو مَنْ يستكرهها على الفاحشة أو أخذ مالها ولم تجد ملجأ إلا دخول المسجد جاز لها دخوله مع الحيض، وهذه تخاف ما هو قريبٌ من ذلك؛ فإنها تخاف إن أقامت بمكة أن يُؤخذ مالُها إن كان لها مال، وإلا أقامت بغربة ضرورة (١)، وقد تخاف في إقامتها مقن يتعرض لها، وليس لها مَنْ يدفع عنها.

الجواب الثاني: أن طوافها بمنزلة مرورها في المسجد، ويجوز للحائض المرور فيه إذا أمنت التلويث، وهي في دورانها حولَ البيت بمنزلة مرورها ودخولها من باب وخروجها من آخر؛ فإذا جاز مرورها للحاجة فطوافُهَا للحاجة التي هي أعظم من حاجة المرور أولى بالجواز.

يوضحه الوجه الثالث: أنَّ دمَ الحيض في تلويثه المسجد كدم الاستحاضة، والمستحاضة يجوز لها دخول المسجد للطواف إذا تلجَّمت (٢) اتفاقًا، وذلك لأجل الحاجة، وحاجة هذه أولى.

يوضحه الوجه الرابع: أن منعها من دخول المسجد للطواف كمنع الجُنُب؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سَوَّى بينهما في تحريم المسجد عليهما، وكلاهما يجوز له الدخول عند الحاجة (٣)، وسر المسألة أن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تطوفي بالبيت" هل ذلك لأن الحائض ممنوعة من المسجد؟ والطواف لا يكون إلا في المسجد، أو أن عبادة الطَّواف لا تصح مع الحيض [كالصلاة] (٤)، أو لمجموع الأمرين، أو لكلِّ واحدٍ من الأمرين؟ فهذه أربعة تقادير، فإن قيل بالمعنى الأول لم يمنع صحة الطواف مع الحيض كما قاله أبو حنيفة ومَنْ وافقه وكما هو إحدى الروايتين عن أحمد، وعلى هذا فلا يمتنع الأذنُ لها في دخول المسجد لهذه الحاجة التي تلتحق بالضرورة، ويقيّد بها مُطْلَق نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس بأول مُطْلَق قُيّد بأصول الشريعة وقواعدها، وإن قيل بالمعنى الثاني فغايته أن تكون الطهارة شرطًا من شروط الطواف، فإذا


(١) في (ك): "بغيره مضرورة"، وفي (ق): "بغربة مضرورة".
(٢) "شدت عليها ما يمنع سقوط الدم" (و).
(٣) انظر: "تهذيب السنن" (١/ ١٥٧ - ١٥٨) و"طريق الهجرتين" (ص ٣٧٩).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).

<<  <  ج: ص:  >  >>