للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[قول المانعين من صحة الوقف على نفسه]]

والمانعون من صحته قالوا: يمتنع كون الإنسان معطيًا من نفسه لنفسه؛ ولهذا لا يصح أن يبيع نفسه ولا يهب نفسه ولا يؤجر ماله من نفسه، فكذا لا يصح وقفه على نفسه.

[[قول المجوزين لصحة وقف الإنسان على نفسه]]

قال المجوِّزون: الوقف شبيه العتق والتحرير من حيث إنه يمتنع نقل الملك في رقبته، ولهذا لا يفتقر إلى قبول إذا كان على غير معيَّن اتفاقًا، ولا إذا كان على معين على أحد القولين، وأشْبَهُ شيء به أم الولد. وإذا كان مثل التحرير لم يكن الواقف مملكًا لنفسه، بل يكون مخرجًا للملك عن نفسه، ومانعًا لها من التصرف في رقبته مع انتفاعه بالعين كام الولد. وهذا إذا قلنا بانتقال رقبة الوَقْف إلى اللَّه تعالى ظاهر؛ فإن الواقف أخرج رقبة الوقف للَّه وجعل نفسه أحق المستحقين (١) للمنفعة مدة حياته فإن لم يكن أولى من البطون المرتبة فلا يكون دون بعضهم، فهذا محض القياس. وإن قلنا: الوَقْفُ ينتقل إلى الموقوف عليهم بطنًا بعد بطن يتلقونه من الواقف، فالطبقةُ الأولى أحد الموقوف عليهم، ومعلوم أن أحد الشريكين إذا اشترى لنفسه أو باع من مال الشركة جاز على المختار لاختلاف حكم الملكين، فلأن (٢) يجوز أن ينقل ملكه المختص إلى طبقات موقوف عليها [هو أحدها] (٣) أولى؛ لأنه في كلا الموضعين نقل ملكه المختص إلى ملك مشترك اسه فيه نصيبٌ، بل في الشركة الملكُ الثاني من جنس الأول يملك به التصرف في الرقبة، وفي الوقف ليس من جنسه فيكون أولى بالجواز.

يؤيده أنه لو وقف على جهة عامة جاز أن يكون كواحد من تلك الجهة، كما وقف عثمان بئر رُومَة (٤) وجعل دَلْوَه فيها كدِلاء المسلمين (٥)، وكما يصلي المرء


(١) في (ك) و (ق) و (د): "أحد المستحقين"، وأشار (د) في الهامش إلى المثبت هنا.
(٢) في (ن) و (ق): "فلا"!
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) "بئر بالمدينة اشتراها عثمان وسبلها، ورومة أرض بالمدينة بين الجرف ورعانة نزلها المشركون عام الخندق" (و).
قلت: وهي، بئر قديمة جاهلية في أسفل وادي العقيق (غربي المدينة) قريبة من مجتمع الأسيال في براح واسع من الأرض، قاله السمهوري في "وفاء الوفا" (٢/ ١٣٨).
(٥) رواه ابن أبي شيبة (١٢/ ٣٩ - ٤٠)، وأحمد (١/ ٧٠)، وابنه في "زوائد المسند" (١/ ٧٤)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>