للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبيح وتقبيح الحسن فهو أيضًا يشبه السحر من هذا الوجه أيضًا، وكذلك سحر الوَهْم أيضًا هو حيلة وهمية (١)، والواقع شاهد بتأثير الوهم والإيهام (٢)، ألا ترى أن الخشبة التي يتمكَّن الإنسان من المشي عليها إذا كانت قريبة من الأرض لا يمكن (٣) المشي عليها إذا كانت على مَهْوَاة بعيدة القَعْر، والأطباء تنهى صاحِبَ الرُّعَاف عن (٤) النظر إلى الشيء الأحمر، وتنهى المصروع عن (٤) النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران، فإن النفوس خلقت مطية الأوهام (٥)، والطَّبيعة فعَّالة (٦)، والأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية، وكذلك السحر بالاستعانة بالأرواح الخبيثة إنما هو بالتحيل على استخدامها بالإشراك بها والاتصاف بهيآتها الخبيثة، ولهذا لا يعمل السحر إلا مع الأنفس الخبيثة المناسبة لتلك الأرواح، وكلما كانت النفس أخْبَثَ كان سحرها أقوى، وكذلك سحر التمزيجات -وهو أقوى ما يكون من السحر- أن يمزج بين (٧) القوى النفسانية الخبيثة الفعالة والقوى الطبيعية المنفعلة، والمقصود أن السحر من أعظم أنواع الحيل [التي ينال بها الساحِرُ غرضَه، وحيل الساحر من أصعب (٨) الحيل] (٩) وأقواها، ولكن لا تؤثر تأثيرًا مستقرًا إلا في الأنفس البطالة (١٠) المنفعلة للشهوات الضعيفة تعلقُهَا بفاطر الأرض والسموات المنقطعة عن التوجه إليه والإقبال عليه؛ فهذه النفوس محل تأثير السحر.

[[حيل أرباب الملاهي وغيرهم]]

وكحِيَلِ أرباب الملاهي والطرب على استمالة النفوس إلى محبة الصُّوَر والوصول إلى الالتذاذ بها؛ فحيلة السماع الشيطاني على ذلك من أدنى الحيل عليه، حتى قيل: أولُ ما وقع الزنا في العالم فإنما كان بحيلة اليَرَاع (١١) والغِناء، لمَّا أراد الشيطانُ ذلك لم يجد عليه حيلة أدنى من الملاهي، وكحِيَلِ اللصوص


(١) في (ك): "وهيمية".
(٢) رأيت لنيكولاس ويد كتابًا بعنوان: "الأوهام البصرية، فنّها وعلمها". ترجمة منى مظفر للعربية، أكّد فيه وفصّل ما ذكره المصنف.
(٣) في (ك): "يتمكن من".
(٤) في (ق): "إلى".
(٥) في (ن) و (ق): "مظنة الأوهام".
(٦) في (ق): "نقاله".
(٧) في (ن): "أن تمزج".
(٨) كذا في (ك)، وفي المطبوع: "أضعفَ".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(١٠) في المطبوع: "الباطلة".
(١١) "اليراع -بزنة السحاب-: قصبة مجوفة يزمر بها" (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>