للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الصواب؛ فإنَّ الحقائق (١) لا تتغير بتغيير الألفاظ، وهذا باب يطول تتبعه.

[وجوب إعطاء اللفظ والمعنى حقّهما]

والمقصود أن الواجب فيما عَلَّق عليه الشارعُ الأحكام من الألفاظ والمعاني أن لا يُتجاوز بألفاظها ومعانيها، ولا يُقصر بها، ويُعطى اللفظ حقَّه والمعنى حقَّه؛ وقد مدح اللَّه [تعالى] (٢) أهلَ الاستنباط في كتابه، وأخبر أنهم أهلُ العلم؛ ومعلوم أنَّ الاستنباطَ إنما هو استنباطُ المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض، فيُعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومُشَبَّهه (٣) ونظيره، ويَلغى ما لا يصح، هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط؛ قال الجوهري: الاستنباط كالاستخراج (٤)؛ ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ، فإنَّ ذلك ليس طريقة الاستنباط؛ إذ موضوعات الألفاظ لا تُنال بالاستنباط، وإنما تنال به العلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم؛ واللَّه سبحانه ذَمَّ مَنْ سمع ظاهرًا مجردًا فأذاعه وأفشاه، وحمد مَنِ استنبط من أولي العلم حقيقته ومعناه.

يوضِّحه أنَّ الاستنباطَ استخراجُ الأمر الذي من شأنه أن يَخفى على غير مُستنبِطِه، ومنه (٥) استنباطُ الماء من أرض البئر والعين؛ ومن هذا قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد سئل: هل خَصَّكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشيء دون النَّاس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسمة، إِلا فهمًا يؤتيه اللَّه عبدًا في كتابه (٦).

ومعلوم أنَّ هذا الفهَم قدرٌ زائدٌ على معرفة موضوع اللفظ أو عمومه (٧) أو خصوصه، فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب، وإنما هذا فهم لوازم المعنى ونظائره، ومراد المتكلم بكلامه، ومعرفة حدود كلامه، بحيث لا يدخل فيها غير المراد، ولا يخرج منها شيء من المراد.


(١) في (ق): "الحقيقة".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ق): "وشبهه".
(٤) في "الصحاح" (٣/ ١١٦٢): "الاستنباط: الاستخراج".
(٥) في (ك) و (ق): "ومن ذلك".
(٦) أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب العلم: باب كتابة العلم، رقم ١١١)، وفي (كتاب الجهاد: باب فكاك الأسير، رقم ٣٠٤٧)، وفي (كتاب الديات: باب العاقلة، رقم ٦٩٠٣)، وباب لا يقتل مسلم بكافر، (رقم ٦٩١٥).
(٧) في المطبوع و (ق) و (ك): "وعمومه".

<<  <  ج: ص:  >  >>