للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويزيده وضوحًا: أن المعنى الذي منع الاستثناء عقد اليمين لأجله، هو بعينه في الطلاق والعتاق؛ فإنه إذا قال: "واللَّه لأفعلنَّ اليوم كذا -إن شاء اللَّه-" فقد التزم فعله في اليوم إن شاء اللَّه له ذلك، فإن فعله فقد علمنا مشيئة اللَّه له، وإن لم يفعله علمنا أن اللَّه لم يشأه؛ إذ لو شاءه لوقع ولا بدُّ.

[لا بد من مشيئة اللَّه لوقوع فعل العبد]

ولا يكفي في وقوع الفعل مشيئة العبد (١) إن شاءه فقط، فإن العبد قد يشاء الفعلَ ولا يقع، فإن مشيئته ليست موجبة (٢) ولا تلزمه، بل لا بد من مشيئة اللَّه [له] (٣) أن يفعل، وقد قال تعالى في المشيئة الأولى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠]، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩]، وقال في المشيئة الثانية: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [المدثر: ٥٤ - ٥٦]، وإذا كان تعليق الحلف بمشيئته تعالى (٤) يمنع من انعقاد اليمين، وكذلك تعليق الوعد، فإذا قال: "أفعل إنْ شاء اللَّه"، ولم يفعل لم يكن مُخْلِفًا كما لا يكون في اليمين حانثًا وهكذا إذا قال: "أنت طالق إن شاء اللَّه" فإن طلَّقها بعد ذلك، علمنا أن اللَّه [سبحانه] (٥) قد شاء الطلاق فوقع، وإن لم يطلقها تبيّنَّا أن اللَّه لم يشأ الطلاق فلا تطلق، فلا فرق في هذا بين اليمين والإيقاع، فإن كلًا منهما إنشاءٌ وإلزامٌ مُعلَّق بالمشيئة.

قالوا: وأما الأثران اللّذان ذكرتموهما عن الصحابة فما أحسنهما لو ثبتا ولكن كيف بثبوتهما (٦) وعطية ضعيف، وجميع بن عبد الحميد مجهول، وخالد بن يزيد ضعيف؟ قال ابن عدي (٧): أحاديثه لا يتابع عليها وأثرُ ابن عباس لا يعلم حالُ إسناده حتى يُقبل أو يُرد.

[[آثار في مقابلة آثار المانعين من الأخذ بالاستثناء]]

على أن هذه الآثار مقابلة بآثار أُخر لا تثبت أيضًا:

فمنها: ما رواه البيهقي في "سننه" من حديث إسماعيل بن عيَّاش، عن


(١) في المطبوع و (ك): "مشيئة اللَّه للعبد"!.
(٢) في (ق): "ليست توجبه".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) في (ق) و (ك): "سبحانه"
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٦) في (ق): "كيف تثبتونهما".
(٧) في "الكامل" (٣/ ٨٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>