للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيفتونه، ولا يقولون له: عليك أن تطلب معرفة الحق في هذه الفتوى بالدليل، ولا يُعرف ذلك عن أحد منهم ألبتة، وهل التقليد إلا من لوازم التكليف ولوازم الوجود! فهو من لوازم الشرع والقدر. والمنكرون له مضطرون إليه ولا بد، وذلك فيما تقدم بيانه من الأحكام وغيرها.

ونقول لمن احتج على إبطاله: كل حجة أَثريّة ذكرتها فأنت مقلد لحملَتِهَا ورُواتها؛ إذ لم يقم دليل قطعي على صدقهم، فليس في يدك (١) إلا تقليد الراوي، وليس بيد الحاكم إلا تقليد الشاهد، وكذلك ليس بيد العامي إلا تقليد العالم، فما الذي سَوَّغ لك تقليد الراوي والشاهد ومنعنا من تقليد العالم، وهذا سمع بأذُنه ما رواه، وهذا عقل بقلبه ما سمعه، فأدَّى هذا مسموعه، و [أدى] (٢) هذا معقوله، وفرض على هذا تأدية ما سمعه، وعلى هذا تأدية ما عقله، وعلى من لم يبلُغ منزلتهما القبول منهما؟

ثم يقال للمانعين من التقليد: أنتم منعتموه خشية وقوع المقلد في الخطأ بأن يكون من قلده مخطئًا في فتواه، ثم أوجبتم عليه النظر والاستدل الذي طلب الحق، ولا ريب أن صوابه في تقليده للعالم أقرب من صوابه في اجتهاده هو لنفسه، وهذا كمن أراد شراء سِلعة لا خبرة له بها، فإنه إذا قلد عالمًا بتلك السلعة خبيرًا بها أمينًا ناصحًا كان صوابه وحصول غرضه أقرب من اجتهاده لنفسه، وهذا متفق عليه بين العقلاء.

[[الرد على حجج القائلين بالتقليد]]

قال أصحاب الحجة: عجبًا لكم معشر (٣) المقلدين الشاهدين على أنفسهم مع شهادة أهل العلم بأنهم ليسوا من أهله ولا معدودين في زمرة أهله (٤)، كيف أبطلتم مذهبكم بنفس دليلكم؟ فما للمقلِّد وما للاستدلال؟ وأين منصب المقلد من منصب المُسْتدل؟ وهل ما ذكرتم من الأدلة إلا ثيابًا استعرتموها من صاحب الحجة فتجملتم بها بين الناس؟ وكنتم في ذلك متشبِّعين بما لم تعطوه، ناطقين من العلم بما شهدتم على أنفسكم أنكم لم تؤتوه (٥)؟ وذلك ثوبُ زورٍ لبستموه، ومنصبٌ لستم من أهله غصبتموه، فأخبرونا: هل صريح إلى التقليد لدليل قادكم


(١) في المطبوع: "بيدك".
(٢) ما بين المعقوفتين من المطبوع فقط.
(٣) في المطبوع: "معاشر".
(٤) في (ن) و (ق): "في زمره".
(٥) في (ك): "توفوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>