للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[ذكر البخاري فصل النزاع في القياس]]

وهذا الذي ترجمه البخاري هو فَصْلُ النزاع في القياس، لا كما يقوله المفْرِطون فيه ولا المفرِّطون؛ فإن الناس فيه طرفان ووسط، فأحد الطرفين مَنْ ينفي العلَل والمعاني والأوصاف المؤثرة (١)، ويجوز ورود الشريعة بالفرق بين المتساويين والجمع بين المختلفين، ولا يثبت أن اللَّه أسبحانه، (٢) شرع الأحكامَ لعلل ومصالح، ورَبَطها باوصاف مؤثرة فيها مقتضية لها طَرْدًا وعكسًا، وأنه قد يوجبُ الشيءَ ويحرم نظيره من كل وجه، ويحرِّم الشيء ويبيح (٣) نظيره من كل وجه، وينهى عن الشيء لا لمفسدة فيه، ويأمر به لا لمصلحة، بل لمحض المشيئة المجردة عن الحكمة والمصلحة، وبإزاء هؤلاء قوم أفرطوا فيه، وتوسَّعُوا جدًّا، وجمعوا بين الشيئين اللذين فَرَّقَ اللَّه بينهما بأدنى (٤) جامع من شَبَهٍ أو طَرْدٍ أو وَصْفِ يتخيَّلونه علةً يمكن أن يكون علته و [يمكن] (٥) أن لا يكون، فيجعلونه هو السبب الذي عَلَّق اللَّه ورسوله عليه الحكم بالخَرْصِ والظَّنِّ، وهذا هو الذي أجمع السلفُ على ذمِّه كما سيأتي إن شاء اللَّه [تعالى] (٢).

والمقصود أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر في الأحكام العللَ والأوصافَ المؤثرة فيها طَرْداَ وعَكْسًا؛ كقوله للمستحاضة التي سألته: هل تَدَعُ الصلاة زمن استحاضتها؟ فقال: "لا، إنما ذلك عِرْقٌ ولَيْسَ بالحَيْضَةِ" (٦) فأمَرَها أن تصلي مع هذا الدم، وعلل بأنه دم عِرْق وليس بدم حيض، وهذا قياس يتضمن الجمع والفرق.


= (الأيمان والنذور): باب من مات وعليه نذر، و (٧٣١٥) في (الاعتصام): باب من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين، وفي (٦٦٩٩) قالت: إن أختي.
(١) انظر عن هؤلاء ومناقشتهم نقاشًا طويلًا قويًا مع دحض حججهم "الموافقات" للشاطبي (٥/ ٢٢٩ - ٢٣١)، وتعليقي عليه.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ق): "ويدع".
(٤) في (ن): "بأدق".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك)، ووقع في (ق): "أن يكون علة وألا يكون".
(٦) رواه البخاري (٢٢٨) في (الوضوء): باب غسل الدم، و (٣٥٦) في (الحيض): باب الاستحاضة، و (٣٢٠) باب إقبال المحيض وإدباره، و (٣٢٥) باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيضات، و (٣٣١) باب إذا رأت المستحاضة الطهر، ومسلم (٣٣٣، ٣٣٤) في (الحيض): باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، من حديث عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>