للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان العمل منهم اجتهادًا، فالخبر أولى منه عند جمهور أصحابنا، إلّا من قال منهم: إن الإجماع من طريق الاجتهاد حجة.

وإن لم يكن في المدينة (١) عمل يوافق موجب الخبر أو يخالفه، فالواجب المصير إلى الخبر، فإنه دليل منفرد عن مُسْقِط أو معارض.

[[تقديم عمل أهل المدينة المتصل على خبر الآحاد]]

وهذا (٢) جملة قول أصحابنا في هذه المسألة، وقد تضمّن ما حكاه أن عملهم الجاري مجرى النقل حجة، فإذا أجمعوا عليه فهو مقدَّم على غيره من أخبار الآحاد، وعلى هذا الحرف بَنَى المسألة وقرَّرها، وقال: والذي يدل على ما قلناه أنهم إذا أجمعوا على شيء نقلًا أو عملًا متصلًا، فإن ذلك الأمر معلوم بالنقل المتواتر الذي يحصل به العلم، [وينقطع العذر فيه، ويجب ترك أخبار الآحاد له؛ لأن المدينة بلدة جمعت من الصحابة مَنْ يقع العلم] (٣) بخبرهم فيما أجمعوا على نقله، فما هذا سبيله إذا ورد خبرُ واحدٍ بخلافه كان حجّة على ذلك الخبر وتُرك له، كما لو روي لنا خبر واحد فيما تواتر به نقل جميع الأمة لوجب ترك الخبر للنقل المتواتر من جميعهم، فيقال: من المحال عادةً أن يُجمعوا على شيء نقلًا أو عملًا متصلًا من عندهم إلى زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه وتكون السنة الصحيحة الثابتة قد خالفته، هذا من أبْيَن الباطل، وإن وقع ذلك فيما أجمعوا عليه من طريق الاجتهاد فإن العصمة لم تُضْمن لاجتهادهم، فلم يجمعوا من طريق النقل ولا العمل المستمر على هذه الشريطة على بطلان خِيَار المجلس، ولا على التسليمة الواحدة، ولا على القنوت في الفجر قبل الركوع، ولا على ترك الرفع عند الركوع والرفع منه، ولا على ترك السجود في المُفصَّل، ولا على ترك الاستفتاح والاستعاذة قبل الفاتحة، ونظائر ذلك، كيف وقدماؤهم الذين نقلوا العلم الصحيح الثابت الذي كأنه رأي عين عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه بخلاف ذلك؟ فكيف يقال: إن تركه عمل مستمر من عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الآن؟ هذا من المحال، بل نقلهم الصاع والمد والوقوف والأخاير (٤) وترك زكاة الخضراوات


(١) في المطبوع: "بالمدينة".
(٢) في (ق) و (ك): "هذا" دون واو في أوله.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٤) في (ق) بالحاء المهملة، وفي المطبوع بالخاء المعجمة، وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>