للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: واللَّه سبحانه قد حرم علينا الخبائث، وحَرَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذوات الأنياب (١)، والضبع لا يخرج عن هذا وهذا (٢).

[وقالوا: وغاية حديث] (٣) جابر يدل على أنها صيد يُفدَى في الإحرام، ولا يلزم من ذلك أكلها، وقد قال بكر بن محمد: سُئل أبو عبد اللَّه -يعني الإمام أحمد- عن محرم قتل ثعلبًا فقال: عليه الجزاء، هي صيد، ولكن لا يؤكل. وقال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد اللَّه سُئل عن الثعلب، فقال: الثعلب سبع. فقد نص على أنه سبع وأنه يُفْدى في الإحرام، ولمَّا جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الضبع كبشًا، ظن جابر أنه يُؤكل فأفتى به.

[[رأي الذين صححوا الحديث]]

والذين صَحَّحوا الحديث جعلوه مخصصًا لعموم تحريم [ذي الناب من غير فرق بينهما، حتى قالوا: ويحرم أكل] (٤) كل ذي ناب من السباع [إلا الضبع] (٤)، وهذا لا يقع مثله في الشريعة أن يخصص مثلًا على مثل من كل وجه من غير فرقان بينهما.

وبحمد اللَّه إلى ساعتي هذه ما رأيت في الشريعة مسألة واحدة كذلك، أعني شريعة التنزيل لا شريعة التأويل. ومن تأمل ألفاظه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكريمة تبين له اندفاع هذا السؤال؛ فإنه إنما حَرَّم ما اشتمل على الوصفين: أن يكون له ناب، وأن يكون من السباع العادِيَة بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد. وأما الضبع فإنما فيه أحدُ الوصفين، وهو كونها ذات ناب، وليست من السباع العادية. ولا ريب أن السِّباع أخص من ذوات الأنياب، والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذي بها شبهها؛ فإن الغَاذِي شبيهٌ بالمغتذي، ولا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب (٥) التسوية بينهما في


(١) سبق تخريجه قريبًا.
(٢) "وهناك من الأئمة من أفتى بجواز أكل كل ما لم يذكر في آية التحريم: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} [الأنعام: ١٤٥]. فالآية محكمة، وبالحصر المحكم فيها جعلت المحرمات أربعة أنواع فقط كما ذكر في سورة البقرة" (و).
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "قالوا وحديث".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) في (ق): "تجد"، وقال في الهامش: "لعله: تجب".

<<  <  ج: ص:  >  >>