للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هدية المقترض قبل الوفاء؛ لأن (١) المقصود بالهدية أن يؤخر الاقتضاء -وإن كان لم يشترط ذلك- سدًا لذريعة الربا، فكيف تجوز الحيلة على الربا؟ ومن لم يَسُدَّ الذرائع ولم يراع المقاصد ولم يُحرِّم الحيل يبيح ذلك كلَّهُ، وسنةُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهدْيُ أصحابه أحق أن يُتَبع، وقد تقدم تحريم السلف والبيع لأنه يُتَّخذ حيلة إلى الربا.

[[دليل آخر على تحريم الحيل]]

ويدل عَلَى تحريم الحيل الحديثُ الصحيح، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُجمع بين مُتفرِّق ولا يُفرَّق بين مُجْتَمع خَشْيَةَ الصدقة" (٢)، وهذا نصٌ في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق، فإذا باع بعضَ النصابِ قبل تمام الحول تحيُّلًا على إسقاط الزكاة فقد فرق بين المجتمع، فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها، ومما يدل على تحريمها قوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] قال المفسرون من السلف ومَنْ بعدهم: لا تعط عطاءً تطلب أكثر منه، وهو أن تهدي ليُهدى إليك أكثر من هديتك (٣).

وهذا كله يدل على أن صُوَر العقود غير كافية في حِلِّها وحصول أحكامها إلا إذا لم يُقصد بها قصدًا فاسدًا، [وكل ما لو شرطه في العقد كان حرامًا فاسدًا] (٤) فقصده حرام فاسد، واشتراطه إعلانٌ وإظهارٌ للفساد، وقصده ونيَّته غِشٌّ وخداعٌ ومكر؛ فقد يكون أشد فسادًا من الاشتراط ظاهرًا من هذه الجهة، والاشتراط الظاهر أشد فسادًا منه من جهة إعلان المحرم وإظهاره.

[إجماع الصحابة على تحريم الحيل] (٥)

ومما يدل على التحريم أن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجمعوا على تحريم هذه


(١) في نسخ "الإعلام": "فإن"، وما أثبتناه من "بيان الدليل".
(٢) رواه البخاري (١٤٥٠) في (الزكاة): باب لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، و (٦٩٥٥) في (الحيل): باب في الزكاة، من حديث أبي بكر.
(٣) في (ن) و (ق): "مما أهديت"، وانظر جملة من آثار السلف في المعنى الذي أورده المصنف في "تفسير ابن جرير" (٢٩/ ١٤٢ - ١٤٣)، و"الدر المنثور" (٨/ ٣٢٤).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) الكلام الآتي مع المقدمة الأولى اختصره المصنف بتصرف من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من "بيان الدليل" (ص ٣٣٤ - ٣٣٥)، وكذلك المقدمة الثانية (ص ٣٣٩ - ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>