للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُكنى بلاده التي هاجر منها للَّه وإن صارت بعد ذلك دار إسلام، كما منع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المهاجرين بعد الفتح من الإقامة بمكة فوق ثلاثة أيام (١)؛ لأنهم خرجوا عن ديارهم للَّه؛ فلا ينبغي أن يعودوا في شيء تركوه للَّه، وإن زال المعنى الذي تركوها لأجله.

[اعتراض وردّه]

فإن قيل: فأنتم تجوّزون له (٢) أن يقضي بها دين المدين، إذا كان المستحقُّ له (٢) غيره، فما الفرق بين (٢) أن يكون الدين له أو لغيره؟ ويحصل للغريم براءة ذمته وراحة من ثقل الدَّين في الدنيا ومن حمله في الآخرة؟ فمنفعته ببراءة ذمته خيرٌ له من منفعة الأكل والشرب واللباس؟ فقد انتفع هو بخلاصه من رق الدين، وانتفع رب المال بتوصله إلى أخذ حقه، وصار هذا كما لو أقرضه مالًا ليعمل فيه ويوفيه دينه من كسبه.

قيل: هذه المسألة فيها روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد رحمه اللَّه:

إحداهما: أنه لا يجوز [له] (٢) أن يقضي دينه من زكاته، بل يدفع إليه الزكاة ويؤديها هو عن نفسه.

والثانية: يجوز له أن يقضي (٣) دينه من الزكاة، قال أبو الحارث: قلت للإمام أحمد: رجل عليه ألف، وكان على رجل زكاة ماله ألف، فأداها عن هذا الذي عليه الدَّيْن، أيجوز هذا من زكاته؟ قال: نعم، ما أرى بذلك بأسًا (٤).

وعلى هذا فالفرق ظاهر؛ لأن الدافع لم ينتفع هاهنا بما دفعه إلى الغريم، ولم يرجع إليه، بخلاف ما إذا دفعه إليه ليستوفيه منه؛ فإنه قد أحْيا ماله بماله، ووَجْه القول بالمنع أنه قد يُتخذ ذريعةً إلى انتفاعه بالقضاء، مثل أن يكون الدين لولده أو لامرأته أو لمن (٥) يلزمه نفقته فيستغني عن الإنفاق عليه؛ فلهذا (٦) قال


(١) روى البخاري (٣٩٣٣) في (مناقب الأنصار): باب إقامة المهاجر بعد قضاء نسكه، ومسلم (١٣٥٣) في (الحج): باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج والعمرة ثلاثة أيام بلا زيادة، من حديث العلاء بن الحضرمي قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصَّدر"، وانظر: "فتح الباري" (٧/ ٢٦٧).
(٢) سقط من (ق).
(٣) في (ن) و (ق): "أن يقضي له".
(٤) انظر ما مضى قبل قليل.
(٥) في (ك): "ولمن".
(٦) في (ك): "فهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>