للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العفو عن خطأ الإنسان عند شدّة الفرح وشدّة الغضب]

أما الخطأ من شدة الفرح فكما في الحديث الصحيح حديث فَرَحَ الرب بتوبة عبده وقول الرجل: " [اللهم] (١) أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (٢).

وأما الخطأ من شدة الغضب فكما في قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: ١١] قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله حال الغضب، لو أجابه اللَّه تعالى لأهلك الداعي ومن دُعي عليه، فقضى إليهم أجلهم (٣)، وقد قال جماعة من الأئمة: الإغلاق الذي منع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من وقوع الطلاق والعَتَاق فيه هو الغضب (٤). وهذا (٥) كما قالوه؛ فإن للغضب سكرًا كسكر الخمر أو أشد (٦).

[[لا يترتب على كلام السكران حكم]]

وأما السكران فقد قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فلم يرتب على كلام السكران حكمًا حتى يكون عالمًا بما يقول؛ ولذلك أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يستنكه (٧) المقر بالزنا ليعلم هل هو عالم بما يقول أو غير عالم بما يقول (٨)، ولم يؤاخذ حمزة بقوله في حال السكر: "هل أنتم إلا عبيد لأبي" (٩) ولم يكفر من قرأ في حال سُكْرِه في الصلاة: "أعبد (١٠) ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون" (١١).


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (و).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) في (ن) و (ك) و (ق): "إليه أجله" والمذكور قول مجاهد في "تفسيره" ومضى. ونقله عنه المصنف في "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (ص ٨).
(٤) حديث "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" سبق تخريجه.
(٥) في (و): "هذا".
(٦) انظر كلام ابن القيم عن (طلاق الغضبان) في: "زاد المعاد" (٤/ ٤١ - ٤٢)، و"مدارج السالكين" (٣/ ٣٠٧ - ٣٠٨) و"شفاء العليل" (ص ٣٩٤) و"إغاثة اللهفان" (ص ١١ وما بعد).
(٧) كذا في (ك) و (ق) وهو الصواب، وفي بقية الأصول: "يشكك".
(٨) روى مسلم في "صحيحه" (١٦٩٥) في (الحدود): باب من اعترف على نفسه بالزنا أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر رجلًا فاستنكه المعترف بالزنا ليعلم هل هو شارب للخمر أم لا؟.
(٩) سبق تخريجه.
(١٠) قبلها في (ك) و (ق): "لا"!!
(١١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>