للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل [هل يجب في المُصَرّاة رد صاع من تمر؟]

المثال الخامس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص في المُصَرَّاة (١) على رَدِّ صاع من تمر بدل اللَّبن (٢)، فقيل: هذا حكم عام في جميع الأمصار، حتى في المصر الذي لم يَسْمع أهله بالتَّمر قط ولا رأوه؛ فيجب إخراج قيمة الصالح في موضع التمر، ولا يجزئهم إخراج صاع من قوتهم، وهذا قول أكثر الشافعية والحنابلة، وجعل هؤلاء التمر في المُصَراة كالتمر في زكاة التمر لا يجزئُ سواه، فجعلوه تعتدًا، فعينوه اتباعًا للفظ النص، وخالفهم آخرون، فقالوا: بل يُخرج في كل موضع صاعًا من قوت ذلك البلد الغالب؛ فيخرج في البلاد التي قوتهم البُرّ صاعًا من بُرٍّ، وإن كان قوتهم الأرز فصاعًا من أرز، وإن كان الزبيب والتين عندهم كالتمر في موضعه أجزأ صاع منه، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار أبي المحاسن الروياني وبعض أصحاب أحمد، وهو الذي ذكره أصحاب مالك، قال القاضي أبو الوليد: روى ابن القاسم أن الصاع يكون من غالب قوت البلد، قال صاحب "الجواهر"، بعد حكاية ذلك: ووجهه أنه ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث صاعًا من طعام؛ فيُحمل تعيين صاع التمر في الرواية المشهورة على أنه غالب قوت ذلك البلد، انتهى (٣). ولا ريب أن هذا أقرب إلى مقصود الشارع ومصلحة المتعاقدين من إيجاب قيمة صاع من التمر في موضعه، واللَّه أعلم.

وكذلك حكم ما نص عليه الشارع من الأعيان التي يقوم غيرُهَا مقامها من كل وجه أو يكون أولى منها كنصه على الأحجار في الاستجمار (٤)، ومن المعلوم


(١) "الناقة أو البقرة أو الشاة يجمع اللبن في ضرعها، وفسرها الشافعي بأنها التي تصرُّ أخلافها، ولا تحلب أيامًا حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فإذا حلبها المشتري استغزرها" (و).
قلت: وانظر: "زاد المعاد" (٤/ ٢٤٢، ٢٧٢).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "المدونة الكبرى" للإمام مالك (٤/ ٢٨٦ - ٢٨٩ - رواية سحنون عن ابن القاسم)، وانظر: "عقد الجوهر الثمينة" (١/ ٣٤٠)، و"الرسالة" للشافعي (٥٥٦ - ٥٥٨ - تحقيق أحمد شاكر)، و"الأم" له (٣/ ٦٨ و ٧/ ١٧٦ - تحقبق زهري النجار)، و"المجموع شرح المهذب" (١١/ ٢٣٣ - ٢٧٩) و"الإشراف" (٢/ ٤٨١ مسألة ٨٠٠ - بتحقيقي).
(٤) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>