للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[محنة ابن تيمية كمحنة السلف]]

ولعمر اللَّه لقد مني (١) من هذا بما مُني (١) به من سلف من الأئمة المرضيين، فما أشبه الليلة بالبارحة للناظرين، فهذا مالك بن أنس توصل أعداؤه إلى ضربه بأن قالوا للسلطان: إنه يحل عليك أيمان البيعة بفتواه أن يمين المكره لا تنعقد، وهم يحلفون مكرهين غير طائعين، فمنعه السلطان، فلم يمتنع (٢) لما أخذه اللَّه في الميثاق على من آتاه اللَّه علمًا أن يبينه للمسترشدين، ثم [تلاه على أثره] (٣) محمد بن إدريس الشافعي فوشى به أعداؤه إلى الرشيد أنه يحل أيمان البيعة بفتواه أن اليمين بالطلاق قبل النكاح لا تنعقد، ولا تطلق إن تزوجها الحالف، وكانوا يُحلِّفونهم في جملة الأيمان: "وإن كل امرأة أتزوجها فهي طالق"، وتلاهما على آثارهما شيخ الإسلام فقال حسَّاده: هذا ينقض عليكم أيمان البيعة، فما فَتَّ ذلك في عضد أئمة الإسلام، ولا ثَنَى عزماتهم (٤) في اللَّه وهممهم، ولا صدهم ذلك عما أوجب اللَّه تعالى عليهم [من] (٥) اعتقاده والعمل به من الحق الذي أداهم إليه اجتهادهم، بل مضوا لسبيلهم، وصارت أقوالهم أعلامًا يهتدي بها المهتدون، تحقيقًا لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤].

[فصل [الصحابة والتابعون ومن بعدهم أفتوا بذلك]]

ومن له اطلاع وخبرة وعناية بأقوال العلماء يعلم أنه [لم يزل] (٦) في الإسلام من عصر الصحابة من يفتي في هذه المسألة بعدم اللزوم وإلى (٧) الآن.

فأما الصحابة رضي اللَّه عنهم فقد ذكرنا فتاواهم في الحلف (٨) بالعتق بعدم اللزوم، وأن الطلاق أولى منه، وذكرنا فتوى علي بن أبي طالب (٩) -رضي اللَّه عنه- بعدم لزوم اليمين بالطلاق، وأنه لا مخالف له من الصحابة.


(١) في (ق): "رُمي".
(٢) في (ك): "يمنع".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٤) في (ق) و (ك): "ولا ثنى عنه غرماتهم".
(٥) ما بين المعقوفتين من (ك).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في (ق): ". . . اللزوم إلى".
(٨) في (د): "في الحالف".
(٩) مضى لفظه وتخريجه، وفي المطبوع: "كرم اللَّه وجهه".

<<  <  ج: ص:  >  >>