للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساحر، وحافز نفسي غلَّاب" (١)، وهذه السمات بمجموعها موجودة في كتب ابن القيم بعامة، وقد لاحظ ذلك الشوكاني، فقال:

"وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وله من حسن التصرف في الكلام، مع العذوبة الزائدة، وحسن السياق ما لا يقدر عليه غالبُ المصنّفين، بحيث تعشق الأفهامُ كلامه، وتميل إليه الأذهانُ، وتحبّه القلوبُ" (٢).

ولكتابنا هذا "إعلام الموقعين" النصيب الأكبر من هذه السمات، فعلى الرغم من أنه كتاب في الفقه وأصوله، وعادة المؤلفين في هذه الأبواب الابتعاد عن الإبداع في الأسلوب الأدبي في عرض مادتها إلا أنّ ابن القيم "لم يخرج عن مألوفه فيه، ولم يخلع ربقة البلاغة من عنقه، فقد اهتم بالشكل كما اهتمّ بالمضمون" (٣)، يظهر ذلك في الأمور الآتية:

أولًا: أسلوبه الأدبيُّ:

سبق أن قررنا أن لابن القيم مقدرة علمية، فائقة في استثمار النصوص ودلالاتها على الأحكام الشرعية، وأنه سلك في ذلك طريقًا صحيحًا، وفق منهج علميِّ متَّبع عند السلف، وكان هدفه من ذلك الوصول إلى الحق، وقد جاء عرض ذلك بعباراتٍ أدبيَّةٍ، صادقة اللهجة، تفوح بشذى العلم، وتنبض بروح الإيمان (٤)، تتميز بالسُّهولة والوضوح والعذوبة، وقد مال في كثير من المواطن إلى الصور البيانية، والمحسِّنات البديعية من غير تكلف (٥)، فهو يكتب على سجيّته، ويملي بفطرته، لا يتكلّف ولا يتصنَّع.

وقدرة المصنف على الصناعة والصياغة الأدبية ساعدته على تقعيد كثير من المسائل بعبارات جامعة موجزة، وهذا ضرب من البلاغة، وسموّ البيان، الذي يتجانس مع دقة المعاني الشرعية وتشعّبها، ولا سيما أن صاحبنا رحمه اللَّه أخذ تقريراته


(١) من كلام العلامة سيد أحمد صقر رحمه اللَّه في مقدمة "تأويل مشكل القرآن" (ص ٧).
(٢) "البدر الطالع" (١/ ١٤٤).
(٣) "القواعد الفقهية المستخرجة من إعلام الموقعين" (ص ١١٣).
(٤) ولا سيما أن كثيرًا من المسائل المطروقة في كتابنا خارجة عن حيز التصور والتمثيل الفقهي إلى كونها ماثلة للعيان في بيئة المصنف، عرف بها، وعرفت به، وهذا من دواعي وجود (الحرارة) (!!) فيها، ولكن بعبارة مؤدّبة وطريقة مهذبة، كما قدمناه، والحمد للَّه.
(٥) تجد نماذج من ذلك فيما قدمناه من نقولات، انظر -مثلًا-: (ص ٤٤ - ٤٥، ٥٥، ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>