للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم لا، فالعهدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلص بهذا من اللَّه عند السؤال لك عما حكمت به بين عباد اللَّه وأفتيتهم به، فواللَّه إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلا من عرف الحق وحكم به وأفتى به (١) وأما مَنْ عَدَاهما فسيعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء.

[[ما علة إيثار قول على قول؟]]

الوجه الثاني والثلاثون: أن نقول: أخذتم بقول فلان لأن فلانًا قاله أو لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاله؟ فإن قلتم: لأن فلانًا قاله؛ جعلتم قول فلان حجة، وهذا عين الباطل، وإن قلتم: لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاله؛ كان هذا أعظم وأقبح؛ فإنه مع تضمُّنه للكذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقويلِكم عليه ما لم يقله، وهو أيضًا كذب على المتبوع فإنه لم يَقُل: هذا قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فقد دار قولكم بين أمرين لا ثالث لهما: إما جعلُ قولِ غير المعصوم حجة، وإما تقويلُ المعصوم ما لم يقله، ولا بد من واحد من الأمرين.

فإن قلتم: "بل منهما بد، وبقي قسم ثالث، وهو أَنَّا قُلنا كذا لأنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرنا أن نتبع من هو أعلم منا، ونسأل أهل الذكر إن كنا لا نعلم، ونرد ما لم نعلمه إلى استنباط أولي العلم؛ فنحن في ذلك مُتبعون ما أَمَرنا به نبيُّنا" قيل: وهل نُدندن إلا حول اتباع أمره -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحيْهلا بالموافقة على هذا الأصل الذي لا يتُّم الإيمان والإسلام إلا به، فنناشِدُكم بالذي أرسله إذا جاء أمره وجاء قول مَنْ قلَّدتموه هل تتركون قوله لأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- وتضربون به الحائط وتحرِّمون الأخذ به والحالة هذه حتى تتحقق المتابعة كما زعمتم، أو تأخذون بقوله وتُفوِّضون أمر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اللَّه، وتقولون: هو أعلم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَّا، ولم يخالف هذا الحديث إلا وهو عنده منسوخ أو مُعارض بما هو أقوى منه أو غير صحيح عنده؟ فتجعلون قول المتبوع مُحْكمًا وقول الرسول متشابهًا؛ فلو كنتم قائلين بقوله لكون الرسول أمركم [بالأخذ بقوله لقدّمتم قول الرسول أين كان.

ثم نقول في الوجه الثالث والثلاثين (٢): وأين أَمرَكم الرسول] (٣) بأخذ قول


(١) في (ق) و (ك): ". . . به وعرّفه وأفتى به".
(٢) في (ق): "والثلاثون"! وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة ما أثبتناه، وهو الصواب.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>