للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه؟ فهو (١) نَقْل مصدق عن قائل معصوم، وقد نصب اللَّه سبحانه الأدِلة الظاهرة على الحق وبين لعباده ما يتقون، فادعيتم العَجْزَ عن معرفة ما نصب عليه الأدلة وتوّلى (٢) بيانه، ثم زعمتم أنكم قد عرفتم بالدليل أن صاحبكم أولى بالتقليد من غيره، وأنه أعلم الأمة وأفضلها في زمانه وهلم جرا، وغُلَاة كل طائفة منكم توجب اتباعه وتحرم اتباع غيره كما هو في كتب أصولهم، فعجبًا كل العجب لمن خفي عليه الترجيح فيما نصب اللَّه عليه الأدلة من الحق، ولم يهتد إليها، واهتدى إلى أن متبوعه أحَقُّ وأولى بالصواب ممن عداه، ولم ينصب اللَّه على ذلك دليلًا واحدًا.

ويقال ثامن عشر: أعجب من هذا كله من شأنكم معاشر المقلدين أنكم إذا وجدتم آية من كتاب اللَّه توافق رأي صاحبكم أظهرتم أنكم تأخذون بها، والعمدة في نفس الأمر على ما قاله، لا على الآية، وإذا وجدتم آية نظيرها تخالف قوله لم تأخذوا بها، وتطلبتم لها وجوه التأويل وإخراجَهَا عن ظاهرها حيث لم توافق رأيه، وهكذا تفعلون في نصوص السنة سواء إذا (٣) وجدتم حديثًا صحيحًا يوافق قوله أخذتم به، وقلتم: "لنا قول النبي (٤) -صلى اللَّه عليه وسلم- كيت وكيت"، وإذا وجدتم مئة حديث صحيح بل أكثر (٥) تخالف قوله لم تلتفتوا إلى حديث منها, ولم يكن لكم منها حديث واحد فتقولون: لنا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- كذا وكذا، [وإذا وجدتم مرسلًا قد وافق رأيه أخذتم به وجعلتموه حجة هناك] (٦)، وإذا وجدتم مئة مرسل تخالف رأيه أطرحتموها كلها من أولها إلى آخرها، وقلتم: لا نأخذ بالمرسل.

[[موقف المقلدين من الحديث وأمثلة عليه]]

ويقال تاسع عشر: أعجب من هذا كله أنكم إذا أخذتم بالحديث مُرْسَلًا كان أو مسندًا لموافقته رأيَ صاحبكم ثم وجدتم فيه حكمًا يخالف رأيه لم تأخذوا به في ذلك الحكم، وهو حديث واحد، وكأنَّ الحديث حجة فيما وافق رأي من قلدتموه، وليس بحجة فيما خالف رأيه.

ولنذكر من هذا طرفًا فإنه من أعجب أمرهم (٧).


(١) في (ك): "واستحالة التناقض والإختلاف عليه، فهل" وفي الهامش: "لعله: ذلك"، وفي (ن) و (ق): "فهل" وفي هامش (ق): "لعله: فهو" وهو الصواب.
(٢) في (ك): " وتوالى".
(٣) في المطبوع: "لماذا".
(٤) في المطبوع: "لنا قوله".
(٥) في المطبوع: "بل وأكثر".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).
(٧) في المطبوع: "عجيب أمرهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>