للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالق طلقت، ولا ريب أن المستثني لم يرد هذا وإنما أراد ألا يقع الطلاق، فردَّه إلى مشيئة اللَّه [سبحانه] (١)، وأن اللَّه إن شاءه بعد هذا وقع، فكأنه قال: [لا] (٢) أريد طلاقك ولا أرَبَ لي فيه إلا أن يشاء اللَّه ذلك فينفذ رضيت أم سخطت، كما قال نبيُّ اللَّه شعيب -عليه السلام-: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: ٨٩] أي نحن لا نعود في ملّتكم، ولا نختار ذلك، إلا أن يشاء اللَّه ربنا شيئًا فينفذ ما شاءه (٣)، وكذلك قال إبراهيم [-عليه السلام-] (١): {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: ٨٠] أي لا يقع بي مَخُوفٌ من جهة آلهتكم أبدًا إلا أن يشاء ربي شيئًا فينفذ ما شاءه، فرد الأنبياء ما أخبروا ألَّا يكون (٤) إلى مشيئة الربِّ تعالى وإلى علمه استدراكًا واستثناءً أي: لا يكون ذلك أبدًا ولكن إنْ شاءه (٥) اللَّه [تعالى] (٦) كان، فإنه تعالى (٧) عالم بما لا نعلمه نحن من الأمور التي تقتضيها حكمته وحده.

[فصل [التحقيق في موضوع الاستثناء]]

فالتحقيق في المسألة أن المستثنيَ إما أن يقصد (٨) بقوله: "إن شاء اللَّه" التحقيقَ أو التعليق؛ فإن قصد به التحقيقَ والتأكيد وقع الطلاق، وإن قصد به التعليق وعدم الوقوع في الحال لم تطلق، هذا هو الصواب في المسألة، وهو اختيار شيخنا (٩)، وغيره من الأصحاب، وقال أبو عبد اللَّه بن حمدان في "رعايته": قلت: إن قصد التأكيد والتبرك وقع، وإنْ قصد التعليق وجهل استحالة العلم بالمشيئة فلا [يقع] (١٠) وهذا قول آخر غير الأقوال الأربعة المحكيّة [في المسألة] (٦)، وهو أنه إنما ينفعه الاستثناء إذا قصد التعليق وكان جاهلًا باستحالة العلم بمشيئة اللَّه تعالى، فلو علم استحالة العلم بمشيئته تعالى لم ينعقد الاستثناء، والفرق بين علمه بالاستحالة وجهله بها: أنه إذا جهل استحالة العلم بالمشيئة،


(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق).
(٣) في (ق): "ما شاء".
(٤) في (ق) و (ك): "أنه لا يكون".
(٥) في (ق): "شاء"
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٧) في (ق) و (ك): "سبحانه".
(٨) في (ق): "إما أن يكون يقصد".
(٩) كما في "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٤٤)، و"الاختيارات الفقهية" (٢٦٦ - ٢٦٧).
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>