للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون أمره على غاية من الإتقان (١) والإحكام أولى وأحرى، ومن لم يعرف ذلك مفصلًا لم يسعه أن ينكره مجملًا، ولا يكون جهلُه بحكمة اللَّه في خَلْقه وأَمره وإتقانِه كذلك وصدوره عن مَحضِ الجلم والحكمة مسوِّغًا له إنكاره (٢) في نفس الأمر. وسبحان اللَّه ما أعظم ظُلمَ الإنسان وجهله! فإنه لو اعترض على أيِّ صاحب صناعةٍ كانت مما (٣) تقصرُ عنها معرفتُه وإدراكُه على ذلك وسأله عما اختصت به صناعتُه من الأسبابِ والآلاتِ والأفعالِ والمقادير وكيف كان كل شيء من ذلك على الوجه الذي هو عليه لا أكبر ولا أصغر ولا على شكل غير ذلك يَسخر منه، ويهزأ به، وعَجبَ من سخف عقله وقلة معرفته. هذا مع تهيئته لمشاركته له (٤) في صناعته ووصوله فيها إلى ما وصل إليه والزيادة عليه والاستدراك عليه فيها، هذا مع أن صاحب تلك الصناعة غيرُ مدفوع عن العجز والقصور وعدم الإحاطة والجهل، بل ذلك عنده عتيدٌ حاضر، ثم لا يسعه إلا التسليم له، والاعتراف بحكمته، وإقراره بجهله، [وعجزه] (٥) عما وصل إليه من ذلك، فهلَّا وسعه ذلك مع أحكم الحاكمين وأعلم العالمين ومن أتقن كُلَّ شيء فأحكمه وأوقعه على وفق الحكمة والمصلحة؟

وقد كان هذا الوجه وحده كافيًا في دفع كُلِّ شُبْهة وجواب كل سؤال، وهذا غير الطريق التي سلكها نُفاة الحِكَمِ والتعليل، ولكن مع هذا فنتصدَّى للجواب المفصّل، بحسب الاستعداد وما يناسب علومنا الناقصة وأفهامنا الجامدة وعقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة، فنقول وباللَّه التوفيق:

[[ردع المفسدين مستحسن في العقول]]

أما قوله: "كيف تردعون عن سفك الدم بسفكه و [إن] (٦) ذلك كإزالة النجاسة بالنجاسة" سؤال في غاية الوهْن والفساد، وأول ما يقال لسائله: هل ترى ردْع المفسدين والجناة عن فسادهم وجناياتهم وكفِّ عُدوانهم مستحْسنًا في العقول موافقًا لمصالح العباد أو لا تراه كذلك؟


(١) في المطبوع: "أمره في غاية الإتقان".
(٢) في (ن): "مسوغًا لإنكاره".
(٣) في المطبوع و (ق) و (ك): "ممن".
(٤) في المطبوع: "هذا ما نهيئه بمشاركته له"، وفي (ق): "مع تهيئه لمشاركته له"، وفي (ك): "مع تهيآته لمشاركته في".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>