للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو نَزَلنا عن ذلك كله وسلمنا أن الحديث عام عمومًا لفظيًا يدخل تحته صورة الحيلة فهو لا ريب مخصوص بصور كثيرة؛ فنخص منه هذه الصورة المذكورة بالأدلة المتقدمة على بطلان الحيل وأضعافها، والعام يُخص بدون مثلها بكثير، فكم قد خَصَّ العمومَ المفهومُ وخبرُ الواحد والقياسُ (١) وغيرُ ذلك، فتخصيصه (٢) -لو فرض عمومه- بالنصوص والأقيسة وإجماع الصحابة على تحريم الحيل أولى وأحرى، بل واحد من تلك الأدلة التي ذكرناها على المنع من الحيل وتحريمها كاف في التخصيص، وإذا كنتم قد خصصتم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعن اللَّه المحلل والمحلل له" (٣) مع أنه عام عمومًا لفظيًا فخصصتموه بصورة واحدة وهي ما اشترطا في صُلْب العقد أنه إنما تزوجَّها ليحلها ومتى أحلَّها فهي طالق، مع أن هذه الصورة نادرة جدًا لا يفعلها محلل (٤)، والصور الواقعة في التحليل أضعاف [أضعاف] (٥) هذه، فحملتم اللفظ العام عمومًا لفظيًا ومعنويًا على أنْدَرِ صورة تكون لو قدر وقوعها، وأخليتموه عن الصور الواقعة المستعملة بين المحللين؛ فقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بع الجمع بالدراهم" (٦) أولى بالتقييد بالنصوص الكثيرة والآثار والأقيسة الصحيحة التي هي في معنى الأصل وحمله على البيع المتعارف المعهود عُرفًا وشرعًا، وهذا بحمد اللَّه تعالى في غاية الوضوح، ولا يخفى على منصف يريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة، وباللَّه التوفيق.

[فصل [حكمة مشروعية البيع تمنع من صورة الحيلة]]

ومما يوضح فساد حمل الحديث على صورة الحيلة وأن كلام الرسول ومنصبه العالي منزَّه (٧) عن ذلك أن المقصود الذي شرع اللَّه تعالى له البيع وأحلّه لأجله هو أن يحصل ملك الثمن للبائع ويحصل ملك المبيع للمشتري؛ فيكون كلٌّ منهما قد حصل له مقصوده بالبيع، هذا ينتفع بالثمن وهذا بالسلعة، ولهذا إنما


(١) انظر في هذه المباحث "الموافقات" للشاطبي (٤/ ٩، ١٥، ١٨، ١٩)، والتعليق عليه، وفي (ق): "بالمفهوم".
(٢) في (ك) و (ق): "فنخصه".
(٣) سبق تخريجه.
(٤) في المطبوع: "المحلل".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٦) الحديث سبق تخريجه قريبًا، وفي (د) و (ط) و (ح): "بع الجميع"!!
(٧) في (ك): "بمنزلة".

<<  <  ج: ص:  >  >>