للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفاعله آثمًا، وفي هذا من قطع طريق العلم وإبطال حجج اللَّه وبيّناته وخلو الأرض من قائم للَّه بحججه (١) ما يبطل هذا القول ويدحضه، وقد ضَمِن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق لا يضرهم من خَذَلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة (٢)، وهؤلاء هم أولو العلم والمعرفة بما بعث اللَّه به رسوله؛ فإنهم على بصيرة وبينة، بخلاف الأعمى الذي قد شهد على نفسه بأنه ليس من أولي العلم والبصائر.

والمقصود أن الذي هو من لوازم الشرع المتابعةُ (٣) والاقتداءُ، وتقديم النصوص على آراء الرجال، وتحكيم الكتاب والسنة في كل ما تَنَازع فيه العلماء، وأما الزهد في النصوص والاستغناء عنها بآراء الرجال وتقديمها عليها والإنكار على مَنْ جعل كتاب اللَّه وسنة رسوله وأقوال الصحابة نُصْب عينيه وعرض أقوال العلماء عليها ولم يتخذ من دون اللَّه ولا رسوله وليجةً (٤) فبطلانه من لوازم الشرع، ولا يتم الدين إلا بإنكارِه وإبطالِه، فهذا لونٌ والاتباع لونٌ، واللَّه الموفق.

[[الرواية غير التقليد]]

الوجه الخامس (٥) والسبعون: قولكم: "كل حجة أثرية احتججتم بها على بطلان التقليد فأنتم مقلِّدون لحملتِها ورُواتها، وليس بيدِ العالمِ إلا تقليد الراوي، ولا بيد الحاكم إلا تقليد الشاهد، ولا بيد العامي إلا تقليد العالم، إلى آخره". جوابه ما تقدم مرارًا من أن هذا الذي سمَّيتموه تقليدًا هو اتباع أمر اللَّه ورسوله ولو كان هذا تقليدًا لكان كل عالم على وجه الأرض بعد الصحابة مقلدًا، بل كان الصحابة الذين أخذوا عن نظرائهم مقلدين، ومثلُ هذا الاستدلال لا يصْدرُ إلا عن مُشاغبٍ (٦) أو ملبِّس يقصد لبس الحق بالباطل، والمقلِّد لجهله أخذ نوعًا صحيحًا من أنواع التقليد واستدلَّ به على النوع الباطل منه لوجود القدْر المشترك، وغفل عن القَدر الفارق، وهذا هو القياس الباطل المتفق على ذَمِّه، وهو أخو هذا التقليد الباطل، كلاهما في البُطلان سواء.

وإذا (٧) جَعَل اللَّه سبحانه خَبرَ الصَّادق حجةً وشهادةَ العدل حجة لم يكن


(١) في (ق): "بحجة".
(٢) سبق تخريجه.
(٣) في (ق) و (ك): "فالمتابعة".
(٤) في المطبوع: "من دون اللَّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة".
(٥) في (ق) و (ك): "الرابع".
(٦) في هامش (ق): "المشاغب: مهيج الشر".
(٧) في (ق): "إذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>