للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُحرَّم في صُلْبها عقود صدرت من أهلها في محلِّها مقرونة بشروطها (١)، فيجبُ الحكم بصحتها؛ لأن السبب هو الإيجاب والقبول وهما تامَّان، وأهلية العاقد لا نِزاعَ فيها، ومحليَّةُ العقد قابلة، فلم يبق إِلا القصد المقرون بالعقد، ولا تأثير له في بطلان الأسباب الظاهرة، لوجوه:

أحدها: أن المعتان (٢) مثلًا إنما قصد الربح الذي وُضِعت له التجارة، "وإنما لكل امرئ ما نوى" (٣) فإذا حصل له الربح حصل له مقصوده، وقد سلك الطريق المُفْضِية إليه في ظاهر الشرع، والمحلِّلُ غايتُه أنه قصد الطلاق ونواه إذا وطئ المرأة، وهو مما ملَّكه الشارع إياه، فهو كما [لو] (٤) نوى المشتري إخراج المبيع عن ملكه إذا اشتراه، وسرُّ ذلك أن السببَ مقتضٍ لتأبُّد الملك، والنية لا تُغيّر موجب السبب حتى يقال: إن النية توجبُ تأقيت العقد، وليست (٥) هي منافيةً لموجب العقد، فإن له أن يطلِّق. ولو نوى بعقد الشراء إتلاف المبيع وإحراقه أو إغراقه لم يقدح في صحة البيع، فنيّةُ الطلاق أولى، وأيضًا فالقصدُ لا يقدح في اقتضاءِ السبب لحكْمِه؛ لأنه خارج عما يتم به العقد، ولهذا لو اشترى عصيرًا ومن نيّته أن يتخِذَه خمرًا أو جاريةً ومن نيته أن يكرهها على البِغَاء أو يجعلها مغنية أو سلاحًا ومن نيته أن يقتل به معصومًا؛ فكلُّ ذلك لا أثر له في صحة البيع من جهة أنه منقطع عن السبب؛ فلا يخرج السبب عن اقتضاء حكمه.

[[الفرق بين القصد والإكراه والشرط المقارن]]

وقد ظهر بهذا الفرقُ بين هذا القصد وبين الإكراه؛ فإن الرضا شرطٌ في صحة العقد، والإكراه ينافي الرضا، وظهر أيضًا الفرقُ بينه وبين الشرط المقارِن؛ فإن الشرط المقارن يقدح في مقصود العقد؛ فغاية الأمر أن العاقد قصد محرَّمًا، لكن ذلك لا يمنع ثبوت الملك، كما لو تزوجها ليضارّ بها امرأة له أخرى، ومما يؤيد ما ذكرناه أن النية إنما تعملُ في اللفظ المُحتملِ للمنويِّ وغيره، مثل الكنايات، ومثل أن يقول: اشتريتُ كذا؛ فإنه يحتمل أن يشتريه لنفسه ولموكِّله، فإذا نوى أحدهما صح، فإذا كان السبب ظاهرًا متعينًا لمسببه لم يكن للنية الباطنة أثر في تغيير حكمه.


(١) في (ق): "بشرطها".
(٢) كذا في (ق) وفي سائر الأصول: "المحتال".
(٣) مضى تخريجه.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ق): "وليس".

<<  <  ج: ص:  >  >>