للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: أنَّ تسميتَكم للزيادة المذكورة نسخًا لا توجب [بل لا] (١) تجوز مخالفتها، فإن تسمية ذلك نسخًا اصطلاحٌ منكم، والأسماءُ المتواضع عليها التابعة للاصطلاح لا توجب رفع أحكام النصوص، فأَين سَمَّى اللَّه ورسوله ذلك نسخًا؟ وأين قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا جاءكم حديثي زائدًا على ما في كتاب اللَّه فردُّوه ولا تقبلوه فإنه يكون نسخًا لكتاب اللَّه؟ وأين قال اللَّه: إذا قال رسولي قولًا زائدًا على القرآن فلا تقبلوه ولا تعملوا به وردّوه؟ وكيف يسوغ ردُّ سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقواعد قعَّدتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللَّه بها من سلطان؟!!

[[المراد بالنسخ في السنة الزائدة على القرآن]]

الوجه السادس: أن يقال ما تَعْنُون بالنسخ الذي تضمَّنته الزيادة بزعمكم؟ أتعنون أن حكمَ المزيد عليه من الإيجاب والتَّحريم والإباحة بطل بالكلية، أم تعنون به تغيُّر وصفه بزيادة شيء عليه من شَرْط أو قيدٍ أو حالٍ أو مانع أو ما هو أعم من ذلك؟ فإن عنيتم الأول فلا ريب أن الزيادة لا تتضمن ذلك (٢) فلا تكون ناسخة، وإن عنيتم الثاني فهو حق، ولكن لا يلزم منها بطلان حكم المزيد عليه ولا رفعه ولا مُعارضته، بل غايتها مع المزيدِ عليه كالشروط والموانع والقيود والمخصِّصات، وشيء من ذلك لا يكون نسخًا يوجب إبطال الأول ورفعه رأسًا، وإن كان نسخًا بالمعنى العام الذي يسميه السلف نسخًا وهو رفع الظاهر بتخصيصٍ أو تقييدٍ أو شرطٍ أو مانع؛ فهذا كثير من السلف يُسمّيه نسخًا (٣)؛ حتى سَمَّى الاستثناء نسخًا، فإن أردتم هذا المعنى فلا مُشاحة (٤) في الاسم، ولكن ذلك لا يسوغ رد السنن (٥) الناسخة للقرآن بهذا المعنى، ولا يُنكر أحدٌ نسخ القرآن بالسنة


(١) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "تأويلًا".
(٢) في (ن): "في الزيادة لم تتضمن ذلك".
(٣) انظر: "الموافقات" (٣/ ٣٤٤ - بتحقيقي)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (١٣/ ٢٩ - ٣٠، ٢٧٢ - ٢٧٣)، و"الإحكام" (٤/ ٦٧) لابن حزم، و"فهم القرآن" (٣٩٨) للمحاسبي و"تفسير القرطبي" (٢/ ٢٨٨)، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" (ص ٨٨ - ٩٠) لمكي بن أبي طالب، و"أحكام القرآن" (١/ ١٩٧)، ومقدمة "الناسخ والمنسوخ" (١/ ١٩٧) كلاهما لابن العربي، و"الفوز الكبير في أصول التفسير" (١١٢ - ١١٣) للدهلوي، و"محاسن التأويل" (١/ ١٣)، و"النسخ في دراسات الأصوليين" (٥٢١)، و"معالم أصول الفقه عند أهل السنة" (ص ٢٥٣).
(٤) "لا مجادلة" (و).
(٥) في (ق): "السنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>