للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإجابة الدعوات، فأعطوها صورًا وتماثيل يمتنع عليها (١) القدرةُ على أقلِّ مخلوقاتِ الإله (٢) الحق وأذلِّها وأَصْغرِها وأَحقرها، ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه.

وأدلُّ من ذلك على عَجْزهم وانتفاء [إلا هيَّتهم] (٣) أن هذا الخلقَ الأقلَّ الأذلَّ العاجز الضعيفَ لو اختطَفَ منهم شيئًا واستلبه فاجتمعوا على أن يستنقذوه منه لعجزوا عن ذلك، ولم يقدروا عليه، ثم سَوَّى بين العابد والمعبود في الضَّعْف والعجز بقوله: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} قيل: الطالب العابد، والمطلوب المعبود، فهو عاجزٌ متعلِّق بعاجز، وقيل: هو تسوية بين السالب والمسلوب، وهو تسوية بين الآلهة (٤) والذباب في الضَّعْف والعَجْز؛ وعلى هذا فقيل: الطالبُ: الإله الباطل، والمطلوب: الذباب يطلب منه ما استلبه منه (٥)، وقيل: الطالب الذباب، والمطلوب الإله؛ فالذباب يطلب منه ما يأخذه مما عليه، والصحيح أن اللفظ يتناول الجميع، فضَعُف العابدُ والمعبودُ، والمُستلِب والمُستَلَب (٦)؛ فمَنْ جعل هذا إلهًا مع القوي العزيز فما قَدَرَه حقَّ (٧) قَدْره، ولا عَرَفه حقَّ معرفته، ولا عَظَّمه حق تعظيمه (٨).

فصل [مثل المقلِّدين والمقلَّدين]

ومنها قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)} [البقرة: ١٧١]، فتضمَّن هذا المثلُ ناعقًا، أي: مُصَوِّتًا بالغنم وغيرها، ومنعوقًا به وهو الدوَابُّ، فقيل: الناعق العابد، وهو الداعي للصنم، والصنم هو المَنْعُوقُ به المدعُوُّ، وإنَّ حالَ الكافر في دعائه كحال من يَنْعق بما لا يسمعه، هذا قول طائفة منهم عبد الرحمن بن زيد وغيره (٩).


(١) في (ق): "عليه".
(٢) في المطبوع: "الآلهة".
(٣) في (و): "لإلهيتهم".
(٤) في المطبوع و (ق) و (ك): "الإله".
(٥) في (ن) و (ق): "ما اسننقذه منه"، واستظهر في هامش (ق) ما أثبتناه.
(٦) سقطت من (ك) و (ق).
(٧) تحرفت في المطبوع إلى "حتى".
(٨) انظر تفسير ابن القيم -رحمه اللَّه- لهذه الآية بشيء من التفصيل في "الصواعق المرسلة" (٢/ ٤٦٦ - ٤٦٧ و ٤/ ١٣٦٣ - ١٣٦٤).
(٩) انظر: "جامع البيان" (٢/ ٧٩ - ٨١) للطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>