للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: وأما نكاح الدُّلْسَة فنعم هو باطل، ولكن ما هو نكاح الدُّلْسَة (١)؟ فلعله أراد به أن تدلَّسَ له المرأة بغيرها، أو تدلِّسَ له أنها انقضت (٢) عدتها ولم تنقض لتستعجل عَوْدَهَا إلى الأول.

[لم يلعن كل مُحلِّل]

وأما لعنة للمحلِّل فلا ريب أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُرِد كل محلل ومحلل له؛ فإن الولي مُحلّل لما كان حرامًا قبل العقد، والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار، والبائع لأَمَتَه محلل للمشتري وَطْأها، فإن قلنا: "العام إذا خُصَّ صار مجملًا" بطل الاحتجاج بالحديث، وإن قلنا: "هو حجة فيما عدا محل التخصيص" فذلك مشروط ببيان المراد منه (٣)، ولسنا ندري المحلِّل المراد من هذا النص، أهو الذي نَوَى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صُلْب العقد؟ أو الذي أحلَّ ما حرمه اللَّه ورسوله؟ ووجدنا كُلَّ من تزوج مطلقة ثلاثًا فإنه محلل، ولو لم يشترط التحليل ولم ينوه؛ فإن الحل حصل بوطئه وعقده (٤)، ومعلوم قطعًا أنه لم يدخل في النص، فعُلِمَ أن النص إنما أراد به مَنْ أحل الحرام بفعله أو عَقْده، ونحن وكلُّ مسلم لا نشك في أنه أهل للعنة اللَّه، وأما مَنْ قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورَغِب في جمع شمله بزوجته، ولمَّ شَعَثِهِ وشَعَثِ أولاده وعياله؛ فهو محسن، و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] فضلًا عن أن تلحقهم لعنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

[[قواعد الفقه لا تحرم الحيل]]

ثم قواعد الفقه وأدلَّته لا تحرم مثل ذلك (٥)؛ فإن هذه العقود التي لم يشترط


(١) "الدلسة -بالضم- أصلها: الظلمة، ويراد الخديعة والخيانة والمكر" (د)، ونحوه باختصار في (ط).
(٢) في (ك): "نقضت".
(٣) الذي نراه -واللَّه أعلم- أن العام إذا خصَّ بمبين سواء كان متصلًا أم منفصلًا؛ أنه يكون حجة في باقي أفراده، وهذا مذهب الجمهور من المحققين، واختاره الآمدي في "الأحكام في أصول الأحكام" (٢/ ٤٠٧)، والشوكاني في "الإرشاد" (ص ١٣٧ - ١٣٨)، وانظر بسط المسألة هناك، وفي "البحر المحيط " (٣/ ٢٦٦ - ٢٧١) للزركشي، و"الموافقات" للشاطبي (٤/ ٢٦) مع تعليقي عليه.
(٤) في (ق) و (ك): "بعقده ووطئه".
(٥) في (ق): "ثم أدلة الفقه وقواعده لا تحرمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>