للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحريمها بكل طريق خوفًا أن يُتَّخذ حيلة على نوع ما من ربا الفَضْل، فتحريمُهُ للحيل الصريحة التي يتوصل بها إلى ربا النساء أولى من تحريم مد عجوة بكثير؛ فإن التحيل بمد ودرهم من الطرفين على ربا الفضل أخف من التحيل بالعِينَةِ على ربا النساء، وأين مفسدة هذه من مفسدة تلك؟ وأين حقيقة الربا في هذه من حقيقته في تلك؟ وأبو حنيفة يحرِّم مسألة العِينة (١)، وتحريمه لها يوجب تحريمه للحيلة في مسألة مد عجوة بأن يبيعه خمسة عشر درهمًا بعشرة في خرقة؛ فالشافعي يبالغ في تحريم مسألة مد عجوة ويبيح العينة، وأبو حنيفة يبالغ في تحريم العينة ويبيح مسائل مد عجوة، ويتوسع فيها، وأصل كل من الإمامين -رضي اللَّه عنهما- في أحد البابين يستلزم إبطال الحيلة في الباب الآخر، وهذا من أقوى التخريج على أصولهم ونصوصهم، وكثير من الأقوال المُخَرَّجة دون هذا.

[[الحيل تقتضي رفع التحريم]]

فقد ظهر أن الحيل المحرمة في الدين تقتضي رفع التحريم مع قيام موجبه ومقتضيه وإسقاط الوجوب مع قيام سببه، وذلك حرامٌ من وجوه:

أحدها: استلزامها فعل المحرم وترك الواجب.

والثاني: ما تتضمنه (٢) من المَكْر والخِداع والتلبيس.

والثالث: الإغراء بها والدلالة عليها وتعليمها مَنْ لا يحسنها.

والرابع: إضافتها إلى الشارع وأن أصول شرعه ودينه تقتضيها.

والخامس: أن صاحبها لا يتوب منها ولا يعدّها ذنبًا.

والسادس: أنه يُخادع اللَّه كما يخادع المخلوق.

والسابع: أنه يسلِّط أعداء الدين على القَدْح فيه وسوء الظن به وبمن شرعه.

والثامن: أنه يُعْمِلُ فكره واجتهاده في نقض ما أبرمه الرسولُ وإبطال ما أوجبه وتحليل ما حرمه.


= العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة، كبيع ثوب ودرهم بدرهمين، ومد عجوة ودرهم بدرهمين، انظر: "المهذب" (١/ ٢٧٣) و"المغني في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء" (١/ ٣٢٣) و"الزاهر" (١٢١ - ط دار فكر عمان)، و"الموافقات" (٣/ ١٢٧ - ١٣٠ - بتحقيقي)، و"الحيل الفقهية في المعاملات المالية" (١٤٤).
(١) انظر: "الهداية" (٣/ ٨٥)، "حاشية ابن عابدين" (٤/ ٢٦٥).
(٢) في (د): "يتضمن"، وفي (ك): "تضمنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>