كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

[الحيل] - [الشرط المتقدم والمقارن] - ج: 4 - ص: 551

[[الشرط المتقدم والمقارن]]

وأما قوله: "ولا يفسد عقد إلا بالعقد نفسه، ولا يفسد بشيء تقدَّمه ولا تأخَّره، ولا بتوهم، ولا أمارة عليه" يريد أن الشرط المتقدم لا يُفسد العقد إذا عَرِيَ صلبُ العقد عن مقارنته (١)، وهذا أصلٌ قد خالفه فيه جمهور أهل العلم، وقالوا: لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن؛ إذ مَفْسَدة الشرط المتقدم (٢) لم تَزُل بتقدمه وإسلافه، بل مفسدته مقارنًا كمفسدته متقدمًا، وأي مَفْسدةٍ زالت بتقدم الشرط إذا كانا قد عَلِما وعَلِم اللَّه تعالى والحاضرون أنهما إنما عَقَدا على ذلك الشرط الباطل المُحرَّم وأظهروا صورة العقد مطلقًا؟ وهو مقيَّد في نفس الأمر بذلك الشرط المحرَّم، فإذا اشترطا قبل العقد أن النكاح نكاحُ تحليلٍ أو متعة أو شِغَار، وتعاهدا على ذلك، وتواطئا عليه، ثم عقدا على ما اتفقا عليه، وسَكَتا عن إعادة الشرط في صُلب العقد اعتمادًا على [ما] (٣) تقدم ذكره والتزامه، لم يخرج العقد بذلك عن كونه عقدَ تحليل ومُتعة وشغار حقيقة. وكيف يعجز المتعاقدان اللَّذان يريدان عقدًا قد حرَّمه اللَّه ورسوله لوصفٍ أن يشترطا قبل العقد إرادة ذلك الوصف وأنه هو المقصود ثم يسكتا عن ذكره في صلب العقد ليتم غرضهما؟ وهل إتمام غرضهما إلا عيبن تفويت مقصود الشارع؟ وهل هذه القاعدة -وهي أن الشرط المتقدم لا يؤثر شيئًا- إلا فتح لباب الحِيَل؟ بل هي أصلُ الحيلِ وأساسها، وكيف تفرِّق الشريعة بين مُتماثِلَين من كلِّ وجه لافتراقهما في تقدم لفظ أو تأخره مع استواء العقدين في الحقيقة والمعنى والقَصْد؟ وهل هذا إلا من أقرب الوسائل والذرائع إلى حصول ما قصد الشارع عَدَمَه وإبْطَالَه؟ وأين هذه القاعدة من قاعدة سَدِّ الذرائع إلى المحرَّمات؟ ولهذا صرَّح أصحابُها ببطلان [قاعدة] (٤) سد الذرائع لما علموا أنها مناقضة لتلك؛ فالشارع سد الذرائع إلى المحرمات بكل طريق، وهذه القاعدةُ تُوسِّع الطرق إليها وتنهجها، وإذا تأمل اللبيب هذه القاعدة وجدها ترفع التحريم أو الوجوب مع قيام المعنى المقتضي لهما حقيقة، وفي ذلك تأكيد للتحريم من وجهين:

* من جهة أن فيها فعل المُحرَّم وترك الواجب.

---

(١) انظر مباحث الشروط في: "البدائع" (١/ ٤٣ - ٦٠ و ٣٤٥)، و"إغاثة اللهفان" (١/ ١٨٠).
(٢) في (ن) و (ق): "المقارن".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك) و (ق).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.