للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفسدة أولى من اعتبار مصلحة يلزم منها عدة مفاسد في حق الشاهد وحق المشهود له وعليه، والشارع له تَطلُّع إلى حفظ الحقوق على مستحقيها بكل طريق وعدم إضاعتها، فكيف يُبطل حقًا قد شَهد به عَدْلٌ رَضِي (١) مقبول الشهادة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى دينه روايةً وفتوى؟

وأما قولكم: "إن العقوبة تكون في محل الجناية" فهذا غير لازم؛ لما تقدم من عقوبة الشارب والزاني وقد جعل اللَّه سبحانه عقوبة هذه الجريمة على جميع البدن دون اللسان، [وإنما جعل عقوبة اللسان] (٢) بسبب الفسق الذي هو محل التهمة، فإذا زال الفسق بالتوبة فلا وجه للعقوبة بعدها (٣).

وأما قولكم: "إن رد الشهادة من تمام الحد" فليس كذلك؛ فإن الحد تَمَّ باستيفاء عَدَدِه، وسببه نفس القذف؛ وأما رد الشهادة فحكم آخر أوجبه الفسق بالقذف، لا الحد، فالقذف أوجب حكمين: ثبوت الفسق، وحصول الحد، وهما [حكمان] (٤) متغايران.

[فصل [رد الشهادة بالتهمة]]

وقوله: "أو ظنينًا في ولاء أو قرابة" الظنين: المتَّهم، والشهادة تُردُّ بالتهمة، ودل هذا على أنها لا تُرَدُّ بالقرابة كما ترد (٥) بالولاء، وانما ترد [بتهمتهما] (٦)، وهذا هو الصواب كما تقدم؛ وقال أبو عبيد: ثنا حَجَّاج، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي سَبْرة، عن أبي الزِّناد، عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب أنه قال: تجوز شهادة الوالد لولده، والولد لوالده، والأخ لأخيه، إذا كانوا عدولًا، لم يقل اللَّه حين قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] إلا والدًا وولدًا وأخًا (٧)، هذا لفظه؛ وليس في ذلك عن عمر


(١) في المطبوع: "مرضي".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) انظر: "تهذيب السنن" (٣/ ٦٢ - ٦٣)، و"زاد المعاد" (٤/ ٤٠)، و"الطرق الحكمية" (ص ٤).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٥) في (ق): "كما لا ترد".
(٦) في المطبوع: "بتهمتها".
(٧) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (١٥٤٧١) وابن حزم في "المحلى" (٩/ ٤١٥)، من طريق ابن أبي سبرة به، وابن أبي سبرة هذا ضعيف جدًّا وقد اتهم.
وفي (ك): "لا والدًا. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>