للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: أن قطع هذا العضو مُفْضٍ إلى الهلاك، [وغير المحصن لا تستوجب جريمتُه الهلاك] (١)، والمُحْصَن إنما يُناسب (٢) جريمته أشنع القتلات، ولا يناسبها قطع بعض أعضائه؛ فافترقا (٣).

قالوا: وأما قبول شهادته قبل الحدِّ وردُّها بعده، فلِمَا تقدم أن رد الشهادة جُعِلَ من تمام الحد وتكملته؛ فهو كالصفة والتتمة للحد؛ فلا يتقدم عليه، ولأن إقامة الحد عليه يُنْقِص حاله عند الناس، وتقلّ حرمته، وهو قبل إقامة الحد قائم الحرمة غير منتهكها (٤).

قالوا: وأما التائب من الزنا والكفر والقتل، فإنما قبلنا شهادته؛ لأنَّ ردَّها كان نتيجة الفسق، وقد زال، بخلاف مسألتنا فإنا قد بينا أنَّ ردَّها من تتمة الحد، فافترقا.

قال القائلون [بقبولها] (٥): تغليظ الزجر لا ضابط له، وقد حصلت مصلحة الزجرِ بالحد، وكذلك سائر الجرائم جعل الشارع مصلحة الزجر عليها بالحد، وإلا فلا تَطْلُق نِساؤُه، ولا يُؤْخَذ مالُه، ولا يُعزل عن مناصبِه، ولا تَسْقط روايته؛ لأنه أغلظ [عليه] (٥) في الزجر، وقد أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة [-رضي اللَّه عنه-] (٦)؛ وتغليظ الزجر من الأوصاف المنتشرة التي لا تنضبط، وقد حصل إيلام القلب والبدن والنكاية في النفس بالضرب الذي أخذ من ظهره؛ وأيضًا فإن رد الشهادة لا ينزجر به أكثر القاذفين، وإنما يتأثر بذلك وينزجر أعيان الناس، وقَلَّ أن يُوجد القذف من أحدهم، وإنما يوجد غالبًا من الرَّعَاع والسَّقط ومَنْ لا يبالي برد شهادته وقبولها؛ وأيضًا فكم من قاذفٍ انقضى عمره وما أدى شهادة عند حاكم، ومصلحة الزجر إنما تكون في منع النفوس مما هي (٧) محتاجة إليه، وهو كثير الوقوع منها، ثم هذه المناسبة التي ذكرتموها يعارضها ما هو أقوى منها؛ فإن رد الشهادة أبدًا تلزم منه مفسدة فوات الحقوق على الغير وتعطيل الشهادة في محل الحاجة إليها، ولا يلزم مثل ذلك في القبول؛ فإنه لا مفسدة فيه في حق الغير؛ من عدل تائب (٨) قد أصلح ما بينه وبين اللَّه، ولا ريب أن اعتبار مصلحة يلزم منها


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) في (ق): "تناسب".
(٣) انظر "الداء والدواء" (ص ١٦٠)، و"الحدود والتعزيرات" (ص ٩٧ - ١٠٠).
(٤) في (ق): "منهكها".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في المطبوع: "إنما تكون بمنع النفوس ما هي".
(٨) في (ك): "وتاب" ووقع في (ق): "عدل وتاب فقد أصلح".

<<  <  ج: ص:  >  >>