للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أبو عمر في كتاب "التمهيد" أن اللَّه سبحانه أوحى إلى نبي من أنبيائه أن قُل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فقد تعجّلْتَ به الراحةَ، وأما انقطاعك إليَّ فقد تكسَّبت (١) به العِزَّ، ولكن ماذا عملت فيما لي عليك؟ فقال: يا رب وأيّ شيء لك عليّ؟ قال: هل واليْت فيّ وليًا أو عاديت فيّ عدوًا؟ (٢).

فصل [إخلاص النية للَّه تعالى]

قوله: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه اللَّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيَّن بما ليس فيه شَانَه اللَّه" هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المُحَدَّث المُلهم، وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره، وانتفع غاية الانتفاع: فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله، والثانية أصل الشر وفصله؛ فإن العبد إذا خلصت نيته للَّه تعالى وكان قصدُه وهمه وعمله لوجهه (٣) سبحانه كان اللَّه معه؛ فإنه سبحانه {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨]، ورأس التقوى والإحسان خلوصُ النية للَّه في إقامة الحق، واللَّه سبحانه لا غالبَ له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله


(١) في (د): "اكتسبت".
(٢) رواه أبو نعيم في "الحلية" (١٠/ ٣١٦)، والخطيب (٣/ ٢٠٢) من طريق محمد بن محمد بن أبي الوَرْد حدثني سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد اللَّه بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعًا.
وإسناده ضعيف جدًا، محمد هذا ذكره أبو نعيم والخطيب ولم يذكروا في ترجمته ما يدل على توثيقه وإنما كان زاهدًا ورعًا، وكم جاءنا عن الزهاد من بلايا وطامّات!!. وحميد الأعرج الكوفي القاضي الملائي متروك، وأعله المناوي في "الفيض" (٣/ ٧١) بعلي بن عبد الحميد، قال: "قال الذهبي: مجهول"!! والذي جهله الذهبي جار لقبيصة بالكوفة، أما هذا فهو الغضائري، ترجمه الخطيب (١٢/ ٢٩ - ٣٠) وقال: "ثقة" وفاته الإعلال بحميد الأعرج.
والصحيح في هذا الباب عن الفضيل بن عياض، أسنده عنه الدينوري في "المجالسة" (٩٦٢ - بتحقيقي) وذكره ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (٢/ ٣٨٧ - ط دار الكتب العلمية)، وأسنده الدينوري أيضًا في "المجالسة" (٣٠٤٤ - بتحقيقي) ومن طريقه ابن قدامة في "المتحابين في اللَّه" (رقم ٧) عن ابن المبارك قوله. وهذا أشبه.
ووقع في (ك): "واليت لي".
(٣) في (ك) و (ق): "لوجه اللَّه".

<<  <  ج: ص:  >  >>