للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان تسويغكم لتقليد من انتميتم إلى مذهبه كتسويغكم لتقليد غيره سواء، فكيف صارت أقوال هذا العالم مذهبًا لكم تُفتون وتقضون بها وقد سوَّغتم من تقليد هذا ما سوغتم من تقليد الآخر؟ فكيف صار هذا صاحب مذهبكم دون هذا؟ وكيف استجزتم أن تردُّوا أقوال هذا وتقبلوا أقوال هذا وكلاهما عالم يسوغ اتباعه؟ فإن كانت أقوالُه من الدين فكيف سَاغَ لكم دفع الدين؟ وإن لم تكن أقواله من الدين فكيف سوغتم تقليده؟ وهذا لا جواب لكم عنه.

[[مجيء روايتين عن أحد الأئمة كمجيء قولين لإمامين]]

يوضحه الوجه الثامن (١) والسبعون: أن مَنْ قلَّدتموه إذا رُوي عنه قولان أو (٢) روايتان سوَّغتم العمل بهما، وقلتم: مجتهدٌ له قولان فيسوغ لنا الأخذ بهذا وهذا، وكان القولان جميعًا مذهبًا لكم، فهلَّا جعلتم قول (٣) نظيره من المجتهدين بمنزلة قوله الآخر وجعلتم القولين جميعًا مذهبًا لكم، وربما كان قول نظيره ومن هو أعلمُ منه أرْجح من قوله الآخر وأقرب إلى الكتاب والسنة؟!

يوضحه الوجه التاسع (٤) والسبعون: أنكم معاشر المقلدين إذا قال بعض أصحابكم ممن قلدتموه قولًا خلافَ قولِ المتبوع أو خرَّجه على قوله جعلتموه وجهًا وقضيتم وأفتيتم به وألزمتم بمقتضاه، فإذا قال الإمام الذي هو نظير متبوعكم أو فوقه قولًا يخالفه لم تلتفتوا إليه ولم تعدُّوه شيئًا ومعلوم أن واحدًا من الأئمة الذين هم نظير متبوعكم أجلُّ من جميع أصحابه من أوَّلهم إلى آخرهم، فقدِّروا أسوأ التقادير أن يكون قوله بمنزلة وجه في مذهبكم. فياللَّه العجب! صار من أفتى أو حَكَم بقول واحد من مشايخ المذهب أحق بالقبول ممن أفتى بقول الخلفاء الراشدين وابن مسعود وابن عباس وأبيّ بن كعب وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل (٥)، وهذا من بركة التقليد عليكم.

وتمام ذلك الوجه الثمانون (٦): أنكم إن رُمتم التخلص من هذه الخطة، وقلتم: بل يسوغ تقليد بعضهم دون بعض، وقالت (٧) كلُّ فرقة منكم: يسوغ أو


(١) في (ق) و (ك): "السابع".
(٢) ما أثبته من (ك) وفي بقية الأصول: "و".
(٣) في (ك): ". . . لكم، فهلا جعلتم قول. . . ".
(٤) في (ق) و (ك): "الثامن".
(٥) "كأنما يعيش ابن القيم بيننا، ويصف ما يرى ويسمع من الشيوخ" (و).
(٦) في (ق) و (ك): "الوجه التاسع والسبعون".
(٧) في المطبوع: "وقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>