للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[جواب القاضي عبد الوهاب]]

وأجاب عنه القاضي عبد الوهاب المالكي (١) بأن قال: دعواكم بأن هذه الصور (٢) التي اختلفت أحكامُها متماثلة في نفسها دعوى، والأمثلة لا تشهد لها، ألا ترى أنه لا يمتنع أن يتفق الصوم والصلاة في امتناع أدائها من الحائض ويفترقان في وجوب القضاء، والتماثل في العقليات لا يُوجب التساوي في الأحكام الشرعيات.

وأيضًا فهذا يُوجب منع القياس في العقليات.

وأيضًا فإن القياس جائزٌ على العلة المنصوص عليها مع وجود المعنى الذي ذكره.

فهذه أجوبة النُّظار، ونحن بعون اللَّه وتوفيقه نفرد كل مسألة منها بجواب مفصَّل، وهو المسلك الثاني الذي وعدنا به.

[[جواب مفصل] [لماذا وجب الغسل من المني دون البول؟]]

أما المسألة الأولى وهي إيجاب الشارع -صلى اللَّه عليه وسلم- الغسل من المني (٣) دون البول فهذا من أعظم محاسنِ الشَّريعة وما اشتملت عليه من الرَّحمة والحكمة والمصلحة؛ فإن المنيَّ يخرجُ من جميع البدن، ولهذا سمَّاه اللَّه سبحانه وتعالى (سُلالة) , لأنه يَسيلُ من جميع البدن، وأما البول [فإنما هو] (٤) فضْلة الطعام والشراب المستحيلة في المعدة والمثانة؛ فتأثُّرُ البَدنِ بخروج المنيِّ أعظمُ من تأثره بخروج البول؛ وأيضًا فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبَدنِ والقلب والروح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن فإنّها تَقْوى بالاغتسال، والغسلُ يَخْلفُ عليه ما تحلَّل منه بخروج المني، وهذا أمر يعرف بالحس؛ وأيضًا فإن الجنابة


(١) له مجموعة من كتب الأصول، مثل: "التلخيص" و"المفاخر" و"الإفادة" و"المقدمات"، أكثر العلماء من النقل منها وهي ليست مطبوعة، ولم أظفر لها بنسخ خطية، وبقيت بقية من بعض آثاره الأصولية جمعها الأستاذ محمَّد السليماني من كتبه الفقهية وبطون كتب الأصول، ووضعها في آخر "المقدمة في الأصول" لابن القصار (ص ٢٢٩ - ٣٠٨) وانظر تقديمي لكتاب "الإشراف".
(٢) في (ك): "الصورة".
(٣) وذلك بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الماء من الماء".
(٤) في (ق) و (ك): "فإنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>