للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن يقال في الكلام فيمن تكلَّفت وحجَّتْ وأصابها هذا العذر: فما يقول صاحب هذا التقدير حينئذ؟ فإما أنْ يقول: تبقى محرمة حتى تعودَ إلى البيت، أو يقول: تتحلل كالمُحصر، وبالجملة فالقول بعدم وجوب الحج على مَنْ تخاف الحيض لا يُعلم به قائل، ولا تقتضيه الشريعة؛ فإنَّها لا تسقط مصلحةَ الحج التي هي من أعظم المصالح لأجل العجز عن أمرٍ غايتُه أن يكون واجبًا في الحج أو شرطًا فيه؛ فأصولُ الشريعة تبطل هذا القول.

فصل [الرّد على الخامس]

وأما التقدير الخامس -وهي أن ترجع وهي على إحرامها ممتنعة من النكاح والوطء إلى أن تعود في العام المقبل، ثم إذا أصابها الحيض رجعت كذلك، وهكذا كل عام- فمما تردُّه أصول الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة والإحسان (١)؛ فإن اللَّه لم يجعل على الأمة مثلَ هذا الحرج، ولا ما هو قريب منه.

فصل [الرّد على السادس]

وأما التقدير السادس -وهو أنها تتحلل كما يتحلل المحصر- فهذا أفقه من التقدير الذي قبله؛ فإن هذه منعها خوفُ المقَام من إتمام النسك، فهي كمن منعها عَدُوّ عن الطواف بالبيت بعد التعريف، ولكن هذا التقدير ضعيف؛ فإن الإحصار أمرٌ عارض للحاج يمنعه من الوصول إلى البيت في وقت الحج، وهذه متمكّنة من البيت ومن الحج من غير عدوّ ولا مرض ولا ذهاب نفقة، وإذا جعلت هذه كالمُحْصَر أوجبنا عليها الحج مرة ثانية مع خوف وقوع الحيض منها، والعذرُ الموجِبُ للتحلل بالإحصار إذا كان قائمًا به مَنعَ [من] (٢) فرض الحج ابتداءً كإحاطة العدو بالبيت وتعذّر النفقة، وهذه عذرها لا يُسقط فرض الحج عليها ابتداءً؛ فلا يكون عروضه موجبًا للتحلل كالإحصار؛ فلازم هذا التقدير أنها إذا


(١) في (ك) و (ق): "من الحكمة والمصلحة والرحمة والإحسان".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>