للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرح بعض غُلاتكم بأنه لا يجوز تقليدهم، ويجب تقليد الشافعي، فمن العجائب احتجاجُكُم بشيء أنتم أشدُّ الناس خلافًا له، وباللَّه التوفيق.

يوضحه الوجه الخمسون: أن الحديث [بجملته] (١) حجة عليكم من كل وجه، فإنه أمر عند كثرة الاختلاف بسَّنته وسنَّة خلفائه، وأمرتم أنتم برأي فلان ومذهب فلان. الثاني: أنه حَذَّر من محدثات الأمور، وأخبر أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (٢)، ومن المعلوم بالاضطرار أن ما أنتم عليه من التقليد الذي تُرك له كتابُ اللَّه وسنة رسوله ويُعرض القرآن والسنة عليه ويجعل معيارًا عليهما من أعظم المحدثات والبدع التي برّأ اللَّه سبحانه [منها] (٣) القرون [الثلاثة] (٣) التي فضَّلها وخَيَّرها على غيرها. وبالجملة فما سنه الخلفاء الراشدون أو أحدهم للأمة فهو حجة لا يجوز العدول عنها، فأين هذا من قول فرقة التقليد: ليست سنتهم حجة، ولا يجوز تقليدهم فيها؟

[أخبر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه سيحدث اختلاف كثير]

يوضحه الوجه الحادي والخمسون: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في نفس هذا الحديث: "فإنه مَنْ يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا" (٢) وهذا ذم للمختلفين، وتحذير من سلوك سبيلهم. وإنما كثير الاختلاف وتفاقم أمرُه بسبب التقليد وأهله، وهم الذين فرَّقوا الدين وصيَّروا أهله شيعًا، كل فرقة تنصر متبوعها، وتدعو إليه، وتذم من خالفها، ولا يرون العمل بقولهم حتى كأنَّهم ملة أخرى سواهم، يدْأبون ويكدحون في الرد عليهم، ولقولون: كتُبهم وكتبنا، وأئمتهم وأئمتنا، ومذهبهم ومذهبنا، هذا والنبيُّ واحد والقرآن واحد والدين واحد والرب واحد؛ فالواجب على الجميع أن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم، وأن لا يطيعوا إلا الرسول، ولا يجعلوا معه مَنْ تكون أقواله كنصوصه، ولا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون اللَّه؛ فلو اتفقت كلمتهم على ذلك وانقاد كل واحد منهم لمن دعاه إلى اللَّه ورسوله وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة لقل الاختلاف وإن لم يُعدم من الأرض؛ ولهذا تجد أقل الناس اختلافًا [هم] (٤) أهل السنة والحديث؛ فليس على وجه الأرض طائفة أكثر اتفاقًا وأقل اختلافًا منهم لما بنوا على هذا الأصل، وكلما كانت الفرقة عن


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٢) ورد ذلك في حديث العرباض بن سارية المتقدم تخريجه.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>