للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سَلَفِنا، ولا أدركت أحدًا أقْتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، ما كانوا (١) يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنًا؛ ونتقي هذا (٢)، ولا نرى هذا (٣). ورواه عنه عتيق بن يعقوب، وزاد: ولا يقولون: حلال ولا حرام، أما سمعت قول اللَّه [-تعالى- {قُلْ] أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩]، الحلالُ، ما أحلّه اللَّه ورسوله، والحرام ما حرمه اللَّه ورسوله (٤).

[[لفظ الكراهة يطلق على المحرم ودليله، وغلط المتأخرين في ذلك وسببه]]

قلت: وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورَّع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فَنَفَى المتأخرون التحريمَ عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سَهُل عليهم لفظ (٥) الكراهة وخَفّتْ مؤنته عليهم؛ فحمَله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير [جدًّا] (٦) في تصرفاتهم؛ فحصل بسببه (٧) غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة (٨)، و [قد] (٩) قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول هو حرام، ومذهبه تحريمه، وإنما تورَّع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان (١٠).


(١) في المطبوع: "وما كانوا".
(٢) في المطبوع: "فينبغي هذا".
(٣) علقه عنه ابن عبد البر في "الجامع" (٢٠٩١)، والقاضي عياض في "ترتيب المدارك" (١/ ١٤٥)، والشاطبي في "الموافقات" (٥/ ٣٢٤ - ٣٢٥ - بتحقيقي).
(٤) تابع لما قبله، وجزء منه، وبدل ما بين المعقوفتين في (ق): "سبحانه".
(٥) في (ن): "أمر".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٧) في (ن): "بسببهم".
(٨) انظر: "بدائع الفوائد" (٤/ ٦)، و"المسودة في أصول الفقه" (ص: ٥٢٩ - ٥٣٠).
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(١٠) أخرج مالك في "الموطأ" (٢/ ٥٣٨)، ومن طريقه الشافعي في "الأم" (٥/ ٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٦٣) عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلًا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمن، فقال عثمان: أحلتها آية، وحَرَّمتها آية، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. . . وإسناده صحيح، ورواه البيهقي من طريق آخر عن ابن شهاب به.

<<  <  ج: ص:  >  >>