للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقليد يُشبه بعضه بعضًا وإن اختلفت الآثام فيه، وقال اللَّه عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥].

قال: فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي "الكتاب والسنة" وما كان (١) في معناهما بدليلٍ جامع (٢)، ثم ساق من طريق كَثير بن عبد اللَّه بن عَمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إني لا أخاف على أُمتي من بعدي إلا من أعمال ثلاثة، قالوا: وما هي يا رسول اللَّه؟ قال: أخاف عليهم زلّة العَالِم (٣)، ومن حكم جائر، ومن هوًى مُتَّبع" (٤) وبهذا الإسناد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتابَ اللَّه، وسُنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-" (٥).

[[مضار زلة العالم]]

قلت: والمُصنِّفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبين زلة العالم ليبيِّنوا بذلك فساد التقليد وأن العَالِم قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، ويُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذَمَّه كلُّ عالم على وجه الأرض، وحَرَّموه، وذمُّوا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلِّدون العالم فيما زَلَّ فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد فيحلون ما حرم [اللَّه] (٦) ويحرمون ما أحل [اللَّه] (٦) ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منفية (٧) عَمَّن قلدوه، فالخطأ


(١) في مطبوع "الجامع": "أو ما كان".
(٢) ما مض في "جامع بيان العلم" (٢/ ٩٧٥ - ٩٧٨) وما بين المعقوفتين منه.
(٣) في النسخ الخطية: "عالم".
(٤) أخرجه المعافى بن عمران في "الزهد" (رقم ٢١٩)، والطبراني في "الكبير" (١٧/ ١٧/ رقم ١٤)، والبزار في "مسنده" (رقم ١٨٢ - زوائده)، والبيهقي في "المدخل" (رقم ٨٣٠)، وأبو نعيم في "الحلية" (٢/ ١٠)، وابن عبد البر في "الجامع" (رقم ١٨٦٥) من هذا الطريق، وإسناده ضعيف جدًا، فيه كثير بن عبد اللَّه، وهو متروك، وبه أعله الهيثمي في المجمع" (١/ ١٨٧ و ٥/ ٢٣٩).
(٥) رواه ابن عبد البر في "الجامع" (١٨٦٥) بإسناد سابقه، وفيه كثير وسبق حاله، لكن له شواهد بمعناه فانظر "السلسلة الصحيحة" (١٧٦١).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٧) في المطبوع: "منتفية".

<<  <  ج: ص:  >  >>