للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطاعوهم، ولكنَّهم أمروهم فجعلوا حَلالَ اللَّه حَرَامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية (١).

وقال وكيع: ثنا سفيان والأعمش جميعًا، عن حَبيب بن أبي ثَابت (٢) عن أبي البَخْتَري قال: قيل لحذيفة في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١]: أكانوا يعبدونهم؟ فقال: لا، ولكن كانوا يُحِلّون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه (٣).

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: ٢٣ - ٢٤] فمنعهم الاقتداءُ بآبائهم من قبول الاهتداء، فقالوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: ٣٤] وفي هؤلاء ومثلهم قال اللَّه عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: ١٦٦ - ١٦٧] وَقَالَ تَعَالَى معاتبًا (٤) لأهل الكفر وذامًّا لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: ٥٢ - ٥٣] وقال: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: ٦٧] ومثل هذا في القرآن كثير من ذمِّ تقليد الآباء والرؤساء وقد احتجَّ العلماءُ بهذه الآية في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفرُ أولئك من الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهةِ كفرِ أحدِهما وإيمانِ الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المُقَلِّدين (٥) بغير حجة للمُقلِّد، كما لو قلَّد رجلًا (٦) فكفر وقلَّد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة [دنياه] فأخطأ وَجْهَها كان كل واحد ملومًا على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك


(١) أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" (٢/ ٩٧٦ رقم ١٨٦٣)، وابن جرير (١٤/ ٢١١ - ٢١٢ رقم ١٦٦٣٧)، وابن حزم في "الإحكام" (٦/ ١٧٩ - ١٨٠) بإسناد حسن.
(٢) بعدها في النسخ المطبوعة: "عن أبي ثابت" والصواب حذفها.
(٣) سبق تخريجه قريبًا. ومضى أن سفيان رواه عن عطاء بن السائب عن أبي البختري به. ثم وجدت أن ابن حزم أخرجه في "الإحكام" (٦/ ١٤٤) من طريق عبد بن حميد قال: ثنا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن حبيب به. وفيه (٦/ ١٨٠) قال: "قال ابن وضاح: حدثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع به".
(٤) "يقص اللَّه في الآية قول إبراهيم لقومه" (و). وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة "عاتبًا"، وفي مطبوع "الجامع": "عائبًا".
(٥) في مطبوع "الجامع": "التقليديين".
(٦) في مطبوع "الجامع": "رجل".

<<  <  ج: ص:  >  >>