للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليعلم أن شريعته فوق عقول العقلاء وفوق فِطَر الألِبّاء:

وقيل للعيون الرُّمْد لا تتقدَّمي ... إلى الشَّمس، واستغشي ظلامَ اللَّياليا

وسامحْ، ولا تُنكر عليها، وخَلِّها ... وإنْ أنكرت حقًا فقل خلِّ ذا ليا

[غيره:] (١)

عاب التفقُّه قومٌ لا عُقُول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر

ما ضرَّ شمسُ الضُّحى والشَّمس طالعةٌ ... أن لا يرى ضَوءَها مَنْ ليس ذا بصرِ

[فصل [الحكمة في غسل أعضاء الوضوء]]

[وأما إيجابُه لغسل المواضع] (٢) التي لم تخرج منها الريح، وإسقاطه غسْل الموضع الذي خرجت منه، فما أوفقه للحكمة، وما أشده مطابقة للفطرة (٣)؛ فإن حاصل السؤال: لِمَ كان الوضوءُ في هذه الأعضاء الظاهرة دون باطن المقعدة، مع أن باطن المقعدة أولى بالوضوء من الوجه واليدين والرجلين؟

وهذا سؤال معكوس، من قلبٍ منكوس؛ فإنَّ من محاسن الشريعة أن كان الوضوء في الأعضاء الظاهرة المكشوفة، وكان أحقُّها به إمامَها ومُقدَّمَها في الذِّكر والفعل وهو الوجهُ الذي نظافتُه ووضاءتهُ عنوانٌ على نظافة القلب، وبعده اليدان (٤)، وهما آلة البَطْش والتناول والأخذ، فهما أحقُّ الأعضاء بالنظافة والنزاهة بعد الوجه، ولمَّا كان الرأسُ مَجْمَعَ الحواس وأعلى البدن وأشرفه كان أحق بالنظافة، ولكن لو شُرع غسله في الوضوء لعظُمَت المشقة، واشتدت البلية، فشُرعَ مسحُ جميعه، وأقامه مقام غسله تخفيفًا ورحمة، كما أقام المسح على الخفين مقام غسل الرجلين.

ولعل قائلًا يقول: وما يجزئ مسحُ الرأس والرجلين من الغسل والنظافة؟ ولم يعلم هذا القائل أن إمساسَ العضوِ بالماء امتثالًا لأمر اللَّه وطاعة له وتعبدًا يؤثر في نظافته وطهارته ما لا يؤثر غسله بالماء والسِّدْر بدون هذه النية، والتحاكم


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "وإما إيجاب الغسل في المواضع".
(٣) انظر كلام المصنف -رحمه اللَّه- في "بدائع الفوائد" (٣/ ١٢٦).
(٤) في (ق) و (ك): "اليدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>