للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاريضِ مندوحةٌ عن الكذب، وهذا عند الحاجة إلى الجواب (١)، فأما الابتداء [فالمنع فيه ظاهر] (٢)، كما دل عليه حديث أم كلثوم أنه لم يُرخِّص فيما يقول الناس: [إنه كذب] (٣) إلا في ثلاث (٤)، وكلها مما يحتاج إليه المتكلم، وبكل حال فغاية هذا القسم تجهيل السامع بأن يوقعه المتكلم في اعتقاد ما لم يُرِده بكلامه، وهذا التجهيل قد تكون مصلحته أرجح من مفسدته، وقد تكون مفسدتُه أرجح من مصلحته، وقد يتعارض الأمران، ولا ريب أن مَنْ كان علمه بالشيء يحمله على ما يكرهه اللَّه ورسوله كان تجهيله به وكتمانه عنه أصلح له وللمتكلم، وكذلك ما كان (٥) في علمه مضرة على القائل أو تفوت عليه مصلحة هي أرجح من مصلحة البيان فله أن يكتمه عن السامع؛ فإن أبى إلا استنطاقه فله أن يعرض له.

[[المقصود بالمعاريض]]

فالمقصود بالمعاريض فعل واجب أو مستحب أو مباح أباح الشارع السعي في حصوله ونصب له سببًا يُفْضِي إليه؛ فلا يقاس بهذه الحيل التي تتضمن سقوط ما أوجبه الشارع وتحليل ما حرمه، فأين أحد البابين من الآخر؟ وهل هذا إلا من أفسد القياس؟ وهو كقياس الربا على البيع والميتة على المذَكَّى.

فصل (٦)

فهذا [الفرق] (٧) من جهة المحتال عليه، وأما [الفرق] (٧) من جهة المحتال به فإن المُعرِّض إنما تكلم بحق، ونطق بصدق فيما بينه وبين اللَّه تعالى، لا سيما إن لم ينو باللفظ خلاف ظاهره في نفسه، وإنما كان [علم] (٨) الظهور من ضَعْف فهم السامع وقصوره في فهم (٩) دلالة اللفظ، ومعاريض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومُزَاحه كانت


(١) في "بيان الدليل": "وهذا إذا احتاج إلى الخطاب".
(٢) في "بيان الدليل": "فهو أشد، ومن رخص في الجواب قد لا يرخص في ابتداء الخطاب".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من "بيان الدليل".
(٤) سبق تخريجه.
(٥) في (ن) و (ك) و (ق): "إن كان".
(٦) هذا الفصل نقله ابن القيم من "بيان الدليل" (ص ٢٦٠ - ٢٦٣) أحيانًا بنصه وأخرى بتقديم وتأخير وتصرف، وسأشير إلى ذلك إن شاء اللَّه تعالى.
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من "بيان الدليل".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من "بيان الدليل" و (ك).
(٩) في "بيان الدليل": "في معرفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>