للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا في الآخرة، وإنْ تَضَرَّرَ بها في الدنيا بسبب العقوبة التي تحلُّ بأهل الأرض إذا أضاعوا أمرَ اللَّه فتأتي عامة؛ فلم يَضُرَّ امرأة فرعون اتصالُها به وهو من أكفر الكافرين، ولم ينفع امرأةَ نوح ولوطٍ اتصالُهما بهما وهما رسولا رب العالمين.

المثل الثاني للمؤمنين: مريمُ التي لا زَوْجَ لها، لا مؤمن ولا كافر، فذكر ثلاثة أصناف [من] (١) النساء: المرأة الكافرة التي لها وُصْلة بالرجل الصالح، والمرأة الصالحة التي لها وُصْلة بالرجل الكافر، والمرأة العزبة (٢) التي لا وُصْلَة بينها وبين أحد. فالأولى: لا تنفعها وصلتها وسببها، والثانية: لا تضرها (٣) وصلتها وسببها، والثالثة: لا يضرها عدم الوصلة [شيئًا] (٤).

[[في هذه الأمثال أسرار بديعة]]

ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياقَ السورة؛ فإنها سِيقَتْ في ذكر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتحذير من تظاهرهنَّ عليه (٥)، وأنهن إن لم يُطِعْنَ اللَّه ورسوله ويُرِدْنَ الدارَ الآخرة لم ينفعهن اتصالهن برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما، ولهذا إنما ضرب اللَّه في هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة.

قال يحيى بن سَلَّام: ضرب اللَّه المثلَ الأولَ يحذر عائشة وحفصة، ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرِّضْهما على التمسك بالطاعة (٦).

وفي ضَرْب المثل للمؤمنين [بمريم] (٧) أيضًا اعتبارٌ آخَرُ، وهو أنها لم يضرها عند اللَّه شيئًا قَذْفُ أعداء اللَّه اليهود لها، ونسبتُهم إياها وابنها إلى ما بَرَّأهما اللَّه عنه، مع كونها الصِّدِّيقَةَ الكبرى المصطفاة على نساء العالمين؛ فلا يضرُّ الرجلَ الصالحَ قَدْحُ (٨) الفجار والفساق فيه، وفي هذا تَسْلِية لعائشة أُمِّ المؤمنين (٩) إن


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في المطبوع: "العَزَبُ".
(٣) في (ق): "يضرها".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) راجع تفسير الحافظ ابن كثير لهذه الآية (٤/ ٤١٠).
(٦) يحيى هذا له ترجمة في "سير أعلام النبلاء" (٣/ ٣٩٦ - ٣٩٧)، وقال: سكن إفريقية دهرًا، وسمعوا منه "تفسيره" الذي ليس لأحد من المتقدمين مثله، وله اختيار في القراءة من طريق الآثار وطبع مختصره في المغرب، ولم أظفر به مع تتبعي له.
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٨) في (ن) و (ق) و (ك): "قذف".
(٩) في (ق) بعدها: "رضي اللَّه عنها".

<<  <  ج: ص:  >  >>