للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصحابة كانوا يبلغون الناس حكم اللَّه ورسوله]

الوجه الثاني (١) والسبعون: قولكم: "إن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتحوا البلاد، وكان الناسُ حديثي عهد بالإسلام، وكانوا يفتونهم، ولم يقولوا لأحد منهم: عليك أن تطلب معرفة الحق في هذه الفتوى بالدليل" جوابه أنهم لم يفْتُوهم (٢) بآرائهم، وإنما بلَّغوهم ما قاله نبيهم وفعله وأمر به؛ فكان ما أفْتوهم (٣) به هو الحكم والحجة (٤)، وقالوا لهم: هذا عهد نبينا إلينا، وهو عهدنا إليكم، فكان ما يخبرونهم به هو نفس الدليل وهو الحُكم؛ فإن كلام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو (٥) الحكم وهو دليل الحكم، وكذلك القرآن، وكان الناس إذ ذاك إنما يحرصون على معرفة ما قاله نبيهم وفَعَله وأمر به، وإنما تُبلِّغهم الصحابة ذلك؛ فأين هذا من زمان إنما يحرصُ أشباهُ الناس فيه على ما قاله الآخر فالآخر، وكلَّما تأخر الرجل أخذوا كلامه وهجروا أو كادوا يهجرون كلام من فوقه، حتى تجد أتباع الأئمة أشد الناس هجرًا لكلامهم، وأهل كل عصر إنما يقضون ويفتون بقول الأدنى فالأدنى إليهم وكلما بعد العهد ازداد كلام المتقدم هجرًا ورغبة عنه، حتى إن كتبه لا تكاد تجد عندهم منها شيئًا بحسب تقدم زمانه، ولكن أين قال أصحابُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للتابعين: لينصبْ كلٌّ منكم لنفسه رجلًا يختاره فيقلده (٦) دينه ولا يلتفت إلى غيره، ولا يتلقى (٧) الأحكام من الكتاب والسنة، بل من تقليد الرجال، فإذا جاءكم عن اللَّه ورسوله شيء وعَمَّن نصَّبتموه إمامًا تقلدونه فخذوا بقوله، ودعوا ما بلغكم عن اللَّه ورسوله؛ فواللَّه لو كُشف الغِطاءُ لكم وحقت الحقائق لرأيتم نفوسكم وطريقكم مع الصحابة كما قال الأول:

نزلوا بمكَة في قبائل هاشم ... ونزلْت بالبيداء أبْعدَ منزلِ

وكما قال الثاني (٨):

سارت مُشرِّقةً وسرتُ مُغَرِّبًا ... شتانَ بين مُشرِّقٍ ومُغرِّبِ


(١) في (ق) و (ك): "الحادي".
(٢) في (ك) و (ق): "يفتوا".
(٣) في (ك): "أفتوا".
(٤) في (د) و (ك): "وهو الحجة".
(٥) في (ط): "وهو" بزيادة واو.
(٦) في المطبوع: "ويقلده".
(٧) كذا في (ق) و (ك) وفي باقي النسح: "يتلق".
(٨) ذكره في "تاج العروس" (٢٥/ ٥٠١) مادة (شرق) بلا نسبة، وهو في "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية" (١/ ٤١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>