للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرام قد يوهم (١) الاختصاص عقبه بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: ٩١]، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣]، فلما ذكر كفايته للمتوكِّل عليه، فربما أوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكل فعقبه بقوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣] أي: وقتًا لا يتعدَّاه، فهو يسوقه [إلى وقته الذي قدّره له، فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت، ودعوت فلم أر شيئًا، ولم تحصل لي] (٢) الكفاية، فاللَّه [بالغ] (٣) أمره في وقته الذي قدره له (٤)، وهذا كثيرٌ جدًا في القرآن والسنة، وهو باب لطيف من أبواب فهم النصوص.

[[مما ينبغي للمفتي أن يذكر الحكم بدليله]]

الفائدة السادسة: ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم، [ومأخذه] (٥) ما أمكنه من ذلك، ولا يلقيه (٦) إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه، وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي قوله حجة بنفسه، رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره، ووجه مشروعيته، وهذا، كما سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقصُ الرطب إذا جفَّ؟ قالوا: نعم، فزجر عنه" (٧)، ومن المعلوم أنه كان يعلم نقصانه بالجفاف، ولكن نبَّههم على علة التحريم وسببه (٨)، ومن هذا قوله لعمر، وقد سأله عن قُبلة امرأته وهو صائم فقال: "أرأيت لو تمضمضت، ثم مججته أكان يضر شيئًا قال: لا" (٩). فنبه على أن مقدمة المحظور لا يلزم أن تكون محظورة، فإن غاية القُبلة أنها مقدمة الجماع، فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته، كما أن وضع الماء في الفم مقدمة


(١) في (ت): "ربوبية البلدة الحرام قد توهم"، وفي (ق): "فلما ذكر ربوبية للبلدة الحرام قد يوهم".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٤) بعدها في (ك): "فلا يستعجل المتوكل ويقول قد توكلت ودعوت فلم أر شيئًا ولم يحصل لي الكفاية واللَّه بالغ أمره في وقته الذي قدره له".
(٥) في (د): "ويأخذه".
(٦) في (ق): "فلا يلقيه".
(٧) سبق تخريجه.
(٨) قرر المصنف أنه لا فرق بين النهي عن بيع الرطب بالتمر أو بيع العنب بالزبيب في عدة مواضع من كتبه، منها: "تهذيب السنن" (٥/ ٣٢ - ٣٣)، وقد مضى ذلك في مواطن من كتابنا هذا.
(٩) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>