للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن هنا ربًا لا حقيقةً ولا لغةً ولا عرفًا، فإن الربا الزيادة وهي منتفية هاهنا، والذين حرَّموا ذلك إنما قاسوه على الربا، ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: "إما أن تُرْبي وإما أن تَقْضِي" وبين قوله: عَجِّلْ لي وأهَبُ لك مئة، فأين أحدهما من الآخر؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح.

والقول الثالث: يجوز ذلك في دَينِ الكتابة، ولا يجوز في غيره، وهو قول الشافعي (١) وأبي حنيفة (٢)، قالوا: لأن ذلك يتضمن تعجيل العتق المحبوب إلى اللَّه، "والمكاتبُ عبدٌ ما بقي عليه درهم" (٣)، ولا ربا بين العبد وبين سيده، فالمكاتب وكسبه للسيد، فكأنه أخذ بعض كسبه وترك له بعضه، ثم تناقضوا فقالوا: لا يجوز أن يبيعه درهمًا بدرهمين؛ لأنه في المعاملات معه كالأجنبي سواء (٤).

فياللَّه العجب! ما الذي جَعَله معه كالأجنبي في هذا الباب من أبواب الربا وجعله معه بمنزلة العبد القِنِّ في [هذا] (٥) الباب الآخر؟

فهذه صورة هذ المسائل وأصولها ومذاهب العلماء فيها، وقد تبين أن الصواب جوازها كلها، فالحيلة على التوصل إليها حيلة على أمر جائز ليست على حرام.

[فصل [الحيلة على الصلح على الإنكار والإقرار]]

فالحيلة على الصلح على الإنكار عند من يمنعه أن يجيء رجل أجنبي فيقول للمدَّعي: أنا أعلم أن ما في يد المدَّعى عليه لك، وهو يعلم أنك صادق في


(١) انظر: "روضة الطالبين" (٤/ ١٩٦).
(٢) انظر: "المبسوط" (٢١/ ٣١)، و"حاشية ابن عابدين" (٥/ ١٦٠).
(٣) هذا أثر عن عائشة، علَّقه البخاري في (العتق): باب بيع المكاتب إذا رضي (٥/ ١٩٤ - مع الفتح)، ووصله ابن سعد (٥/ ٧٤)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ١١٢)، وعبد الغني بن سعيد الأزدي في "أوهام الحاكم" (ص ١٠٢ - بتحقيقي).
وورد موقوفًا عن زيد بن ثابت وابن عمر، انظر: "فتح الباري" (٥/ ١٩٤)، و"تغليق التعليق" (٣/ ٣٥٠ - ٣٥١).
(٤) انظر بسط المسألة وأدلتها في "الربا والمعاملات المصرفية" (٢٣١ - ٢٤١) للشيخ الدكتور عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه تعالى، وفي (ق): "كالأجنبي معه سواء".
(٥) ما بين المعقوفتين من (ق) فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>