للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[حكمة تخيير المجني عليه في بعض الأحوال دون بعض]]

قيل: لا مصلحة في ذلك للجاني ولا للمجني عليه ولا لسائر الناس، وإنما هو زيادة فساد، لا مصلحة فيه بمجرد التشفي، ويكفي تغريمه (١) وتعزيره في التشفي، والفرق بين الأموال والدماء في ذلك ظاهر؛ فإن الجنايةَ على النفوس والأعضاء تُدخل من الغيظ والحنق والعداوة على المجني عليه وأوليائه ما لا (٢) تُدخله جناية المال ويدخل عليهم من الغضاضةِ والعار واحتمال الضيم والحمية والتحزق (٣) لأخذ الثأر ما لا يَجْبره المال أبدًا، حتى إن أولادهم وأعقابهم ليعيَّرون بذلك، ولأولياء القتيل من القصد في القصاص وإذاقة الجاني وأوليائه ما أذاقه للمجني عليه (٤) وأوليائه ما ليس لمن حرق (٥) ثوبه أو عُقرت (٦) فرسه، والمجني عليه موتور عليه (٧) هو وأولياؤه، [فإن لم يُوتر الجاني وأولياؤه ويَجْرعوا] (٨) من الألم والغَيْظ ما يجرعه الأول لم يكن عدلًا (٩). وقد كانت العرب في جاهليتها تعيب على من يأخذ الدية ويرضى بها من درْك ثأره وشفاء غيظه، كقول قائلهم يهجو من أخذ الدية [من الإبل] (١٠):

وإنَّ الذي أصبحتُم تخلبونه ... دمًا غير أنَّ اللون ليس بأشقرا

وقال جرير (١١) يُعيِّر من أخذ الدية فاشترى بها نخلًا:

ألا أبْلِغْ بني حُجر بن وهب ... بأنَّ التَّمرَ حلوٌ في الشِّتاءِ

وقال آخر:

إذا صُبَّ ما في الوطْب (١٢) فاعلمْ بأنَّه ... دمُ الشيخ فاشْرَب من دم الشَّيخ أو دَعِ


(١) تصحفت في المطبوع إلى: "تغريبه"! وقبلها في (ق) و (ك): "لمجرد" بدل "بمجرد".
(٢) في (ك): "لم".
(٣) أشار في هامش (ق) إلى أنها تصحفت في نسخة إلى: "والتحرق" وهي (ك).
(٤) في (ن) و (ق): "المجني عليه".
(٥) تصحفت في (ق) و (ك): إلى "خرق".
(٦) في (ك) و (ق): "وعقر".
(٧) تحرفت في (ق) إلى: "مأثور عليه" وكذا في (ك) وصوبت في الهامش.
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "ويجرعون".
(٩) انظر: "زاد المعاد" (٢/ ١٨١، ٣/ ٢٠٢).
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(١١) قاله يهجو العباس بن يزيد الكندي، والبيت في "ديوان جرير" (٢/ ٢٠١٩ - ط نعمان طه)، و"الأغاني" (٨/ ٢١).
(١٢) هو سقاء اللبن.

<<  <  ج: ص:  >  >>