للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُتحيلين المخادعين، وكذلك يعلم قطعًا أنه إنما حرَّم الربا لما فيه من الضرر بالمحاويج، وأن مقصوده إزالة هذه المفسدة؛ فإذا أبيح التحيل على ذلك كان سَعْيًا في إبطال مقصود الشارع وتحصيلًا لمقصود المرابي، وهذه سبيل جميع الحيل المتوسَّل بها إلى تحليل الحرام وإسقاط الواجب، وبهذه الطريق تبطل جميعًا (١)، ألا ترى أن المتحيل لإسقاط الاستبراء مُبْطِل لمقصود الشارع من حكمة الاستبراء ومصلحته؛ فالمعينُ له على ذلك مُفوت لمقصود الشارع مُحصِّل (٢) لمقصود المتحيل، وكذلك التحيل على إبطال حقوق المسلمين التي ملَّكهم إياها الشَّارع وجعله أحق بها من غيرهم إزالة لضررهم وتحصيلًا لمصالحهم.

[[عود إلى الأدلة العقلية على بطلان الحيل]]

فلو أباحَ التحيل لإسقاطها لكان عدم إثباتها للمستحقين أولى وأقل ضررًا من أن يثبتها ويوصي بها ويبالِغ في تحصيلها ثم يشرع التحيُّل (٣) لإبطالها وإسقاطها، وهل ذلك إلا بمنزلة من بَنى بناءً مشيدًا وبالغ في إحهامه وإتقانه، ثم عاد فَنَقَضَه، وبمنزلة من أمر بإكرام رجل والمبالغة في برِّه والإحسان إليه وأداء حقوقه، ثم أباح لمن أمره أن يتحَيل بأنواع الحيل لإهانته وترك حقوقه، ولهذا يسيء الكُفّار والمنافقون ومَنْ في قلوبهم مرض (٤) الظّنَّ بالإسلام والشرع الذي بعث [اللَّه] (٥) به رسوله حيث ظنوا أن هذه الحيل مما جاء به الرسول وعَلِموا مناقضتها للمصالح مناقضةً ظاهرة ومنافاتها لحكمة الرب وعدله ورحمته وحمايته وصيانته لعباده؛ فإنه نهاهم عما نهاهم عنه حميةً وصيانةً، فكيف يبيح لهم الحيل على ما حماهم عنه؟ وكيف يبيح لهم التحيل على إسقاط ما فَرَضه عليهم وعلى إضاعة الحقوق التي أحقَّها عليهم لبعضهم بعضًا لقيام مصالح النوع الإنساني التي لا تتم إلا بما شرعه؟ فهذه الشريعة شَرَعَها [اللَّه] (٦) الذي علم ما في ضمنها من المصالح والحكم والغايات المحمودة وما في خلافها من ضد ذلك، وهذا أمرٌ ثابتٌ لها لذاتها وبائن من أمر الرب تبارك وتعالى بها ونهيه عنها، فالمأمور به مصلحةٌ وحَسَنٌ في نفسه، و [اكتسى] (٥) بأمر الرب تعالى مصلحة وحسنًا آخر، فازداد حُسنًا بالأمر ومحبة الرب وطَلَبِه له إلى حُسنه في نفسه، وكذلك المنهي عنه مَفْسَدة


(١) في (ن) و (ك): "جميعها".
(٢) في (ن): "محلل".
(٣) في (ك): "التحليل".
(٤) في المطبوع و (ك): "المرض".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) ما بين المعقوفتين من (ق) فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>