أخذه اللَّه في الميثاق على من آتاه اللَّه علمًا أن يبينه للمسترشدين، ثم تلا على أثره محمد بن إدريس الشافعي فوشى به أعداؤه إلى الرشيد أنه يحل أيمان البيعة بفتواه أن اليمين بالطلاق قبل النكاح لا تنعقد، ولا تطلق إن تزوجها الحالف، وكانوا يُحلِّفونهم في جملة الأيمان:"وإن كل امرأة أتزوجها فهي طالق"، وتلاهما على آثارهما شيخ الإسلام فقال حسَّاده: هذا ينقض عليكم أيمان البيعة، فما فَتَّ ذلك في عضد أئمة الإسلام، ولا ثَنَى عزماتهم في اللَّه وهممهم، ولا صدهم ذلك عما أوجب اللَّه تعالى عليهم من اعتقاده والعمل به من الحق الذي أداهم إليه اجتهادهم، بل مضوا لسبيلهم، وصارت أقوالهم أعلامًا يهتدي بها المهتدون، تحقيقًا لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤]" (١).
- حجية قول الصحابي:
ونقله عن جمع من العلماء من لدن الصحابة إلى من قال به في عصره، واستطرد في هذا المقام بالاحتجاج بالآثار السلفية، والفتاوى الصحابية، وأنها أولى بالأخذ من آراء المتأخرين وفتاويهم، وأن قُربها من الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحط على المانعين بالأخذ بها، وصور حال بعض المفتين في عصره، بقوله في (٤/ ٥٤٥ - ٥٤٦):
"فكيف إذا عيَّن الأخذ بها (أي: أقوال الأئمة الأربعة) حكمًا وإفتاءً، ومنع الأخذ بقول الصحابة، واستجاز عقوبة من خالف المتأخرين لها، وشهد عليه بالبدعة والضلالة، ومخالفة أهل العلم وأنه يكيد الإسلام؟ تاللَّه لقد أخذ بالمثل المشهور:(رمتني بدائها وانْسَلَّتْ)، وسمَّى ورثة الرسول باسمه هو، وكساهم أثوابه، ورماهم بدائه، وكثير من هؤلاء يصرخ ويصيح ويقول ويعلن أنه يجب على الأمة كلهم الأخذ بقول من قلدناه ديننا، ولا يجوز الأخذ بقول أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وغيرهم من الصحابة، وهذا كلامٌ مَن أخذ به وتَقَفَده، ولاه اللَّه ما تولى، ويجزيه عليه يوم القيامة الجزاء الأوفى، والذي ندين اللَّه به ضد هذا القول".
- وعمل على ترتيب الأخذ بفتاوى الصحابة، فبدأ بترجيح أقوال أبي