للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[الجواب عن شبهات القياسيين في المسألة]]

والجواب أن وضع الجوائح لا يخالف شيئًا من الأصول الصحيحة، بل هو مقتضى أصول الشريعة، ونحن بحمد اللَّه نبيِّن (١) هذا بمقامين: أمّا الأول: فحديث وَضْع الجوائح (٢) لا يخالف كتابًا ولا سنةً ولا إجماعًا، وهو أصل بنفسه، فيجب قبوله، وأمّا ما ذكرتم من القياس فيكفي في فساده شهادة النص له بالإهدار، كيف وهو فاسدٌ في نفسه؟ وهذا يتبين بالمقام الثاني: وهو أن وضع الجوائح كما هو موافق للسنة الصحيحة الصريحة فهو مقتضى القياس الصحيح، فإن المشتري لم يتسلَّم الثمرة ولم يقبضها القبض التام الذي يوجب نقل الضمان إليه، فإنَّ قبضَ كُلِّ شيء بحسبه (٣)، وقبض الثمار إنما يكون عند كمال إدراكها شيئًا فشيئًا، فهو كقبض المنافع في الإجارة، وتسليم الشجرة إليه كتسليم العين المؤجَّرة من الأرض والعقار والحيوان، وعُلَق البائع لم تنقطع عن المبيع، فإن له سقي الأصل وتعاهده، كما لم تنقطع عُلَق المؤجِّر عن العين المستأجرة، والمشتري لم يتسلم التسليم التام كما لم يتسلم المستأجر التسليم التام، فإذا جاء أمرٌ غالب اجتاح الثمرة من غير تفريط من المشتري لم يحل للبائع إلزامه بثمن ما أتلفه اللَّه سبحانه منها قبل تمكّنه من قبضها القبض المعتاد، وهذا معنى قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرأيت إنْ منعَ اللَّه الثّمرة؟ فبمَ يأخذ أحدكُم مالَ أخيه بغير حق؟ " (٤)، فذكر الحُكم، وهو قوله: "فلا يحل له أن يأخذ منه شيئًا"، وعلّة الحكم، وهو قوله: "أرأيت إن منع اللَّه الثمرة؟ "، إلى آخره، وهذا الحكم نص لا يحتمل التأويل، والتعليل وصف مناسبٌ لا يقبل الإلغاء ولا المعارضة.

وقياس الأصول لا يقتضي غير ذلك، ولهذا لو تمكَّن من القبض المعتاد في وقته ثم أخَّره لتفريط منه أو لانتظار غلاء السعر كان التلف من ضمانه ولم توضع عنه الجائحة.

وأما معارضة هذه السنة بحديث الذي أُصيب في ثمار ابتاعها فمن باب رَدِّ المحكم بالمتشابه، فإنه ليس فيه أنه أصيب فيها بجائحة (٥)، بل لعله أصيب فيها


(١) في (ق) و (ك): "ونحن نبين بحمد اللَّه".
(٢) تقدم تخريجه قريبًا.
(٣) انظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٢٥٠ - ٢٥١).
(٤) تقدم تخريجه قريبًا.
(٥) بعدها في المطبوع زيادة: "فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامة"، وهي مثبتة في (ك) بعدها بسطر كما أثبتناه. وانظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٣٠/ ٢٧٣، ٢٧٥ - ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>