للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الفتوى بما يغلب على الظن أن الصواب في خلافه: "خائنًا للَّه ورسوله، وللسائل، وغاشًا له" (١).

ولذا رجح في بعض المسائل ما يخالف مذهب الحنابلة، الذي نشأ وتربى عليه، قال: "وكثيرًا ما ترد المسألة، نعتقد فيها خلاف المذهب، فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح، ونرجّحه ونقول: هذا هو الصواب، وهو أولى أن يؤخذ به، وباللَّه التوفيق" (٢) بل خالف في بعض المسائل شيخه ابن تيمية (٣).

رابعًا: يؤخّر ترجيحه ورأيه، إذ يبدأ برأي الفقهاء، ويسرد حججهم، ثم يأتي في آخر الكلام برأيه. بعد المناقشة بروية وحجة، ويحاول إلزام المخالف بأمثلة قوية موضحة، فهو يذكر المؤيِّدات مع الترجيحات.

خامسًا: يمتاز أسلوبه في الترجيح بأدب رفيع، وسمت حسن، فلا يسيء إلى مخالفه في الرأي، بتعبير يجرح شعوره، أو يسيء إليه.

سادسًا: جميع ما سبق لا ينافي كون ابن القيم حنبليّ النزعة، وأنه يفضّل ويرجح مذهب الإمام أحمد بالجملة، لأنه يعتبره أقرب إلى النصوص، كما أوضح ذلك في نقل سبق أن ذكرناه عنه (٤).

ولذا نجده في كتابنا هذا يشيد بأحمد وبعلمه، ويعتني بأصول مذهبه، بل لا نجد ابن القيم اعتنى بأصول إمام مذهب مثل عنايته بأصول الإمام أحمد، ولا بأقوال إمام كأقواله، ولم ينقل عن فقهاء مذهب كمذهبه، بل قال في غير موطن: "أصحابنا" وهو يريدهم أو يريد بعضهم، ولا شك أنه أخذ العلم على كثير من مشايخ الحنابلة، ومع هذا فإنه كان يوقر العلماء حق التوقير، وأن فقهه كان فقه المجتهد، ولا يقلد ولا يتبع أحدًا بغير برهان ودليل، وهو في اختياراته متحيز مستنبط كما قدمناه، واللَّه الموفق.

[المحور الرابع: طريقته في العرض وأسلوبه في البحث]

"ليس يكفي أن يكون الإنسان جمَّ المعرفة، غزير الثقافة، ليكون مؤلفًا ممتازًا، بل لا بد مع ذلك من طبيعة مواتية، وفكر مرتِّب، وعقل مركز، وذوق مصفَّى، وذهن ناقد، وبيان


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ٧٤).
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ٧٤ - ٧٥).
(٣) انظر: "بدائع الفوائد" (٤/ ٢١٠)، و"ابن القيم أصوليًا" (٤٣٧)، وما مضى (ص ١٧٥).
(٤) في (مصادر المصنف) (كتب الإمام أحمد) (ص ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>