للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [حكمة حد القذف بالزنا دون الكفر]]

وأما إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزِّنا دون الكفر ففي غاية المناسبة؛ فإن القاذف غيره (١) بالزنا لا سبيل (٢) للناس إلى العلم بكذبه، فجُعل حد الفرية تكذيبًا له. وتبرئة لعرض المقذوف، وتعظيمًا لشأن هذه الفاحشة التي يُجلد من رمى بها مسلمًا. وأما من رمى غيره بالكفر فإن شاهد حال المسلم واطِّلاع المسلمين عليه كافٍ في تكذيبه، ولا يلحقه من العار في كذبه عليه (٣) في ذلك ما يلحقه عليه في الرمي بالفاحشة، ولا سيما إن كان المقذوف امرأة؛ فإن العار والمعرَّة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتَشَعُّب ظنون الناس وكوْنهم بين مصدق ومكذِّب لا يلحق مثله بالرمي بالكفر.

[فصل [حكمة الاكتفاء في القتل بشاهدين دون الزنا]]

وأما اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزنا ففي غاية الحكمة والمصلحة؛ فإن الشارع احْتاط للقِصاص والدماء واحْتاط لحد الزنا، فلو لم يقبل في القتل إلا أربعة لضاعت الدِّماء، وتواثب العادُون، وتجرؤوا على القَتْل؛ وأما الزنا فإنه بالغَ في سَتْرِه كما قَدَّر اللَّه ستره، فاجتمع على ستره شرع اللَّه وقدره، فلم يقبل فيه إلا


= بغداد" (٣/ ٤٦٣) من طريق سلمة بن عبيد اللَّه عن أبيه.
وسلمة هذا قال عنه أحمد: لا أعرفه وقال العقيلي: مجهول في النقل، ولا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به.
أقول: وعبيد اللَّه بن محصن هذا قال ابن السكن: يقال له صحبة، وفي إسناده نظر.
ويشهد له حديث ابن عمر: رواه الطبراني في "الأوسط" (١٨٤٩)، والبيهقي في "الشعب" (٧/ ٢٩٤ رقم ١٠٣٦٠)، وقال الهيثمي (١٠/ ٢٨٩): فيه علي بن عباس وهو ضعيف.
أقول: وفيه عطية العوفي وهو ضعيف أيضًا.
وحديث ابن عمر أيضًا: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو بكر الداهري وهو ضعيف، كما ذكر الهيثمي أيضًا. فالحديث بمجموع طرقه يظهر أنه حسن؛ كما قال شيخنا الألباني -رحمه اللَّه- ومن قبل السيوطي.
(١) تصحفت "غيره" في (ق) إلى "عيّره".
(٢) في (ق): "ولا سبيل".
(٣) في (ن): "بكذبه عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>