للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لم يكن الحلف بالأيمان اللازمة معتادًا]

ولم يكن الحلف بالأيمان اللازمة معتادًا على عهد السلف الطيّب، بل هي من الأيمان الحادثة المبتَدَعة التي أحدثها الجهلة الأول، ولهذا قال جماعة من أهل العلم: إنها من الأيمان اللاغية التي لا يلزم بها شيء البتَّة، أفتى بذلك جماعة من العلماء، ومن متأخري مَنْ أفتى بها تاجُ الدين أبو عبد اللَّه الأرموي صاحب كتاب "الحاصل" (١) قال ابن بزيزة في "شرح الأحكام": سأله عنها بعضُ أصحابنا، فكَتَبَ له بخطِّه تحت الاستفتاء: هذه يمينٌ لاغيةٌ، لا يلزم فيها شيء أَلبتة، وكتبَ محمد الأرموي، قال ابن بزيزة: وقفت على ذلك بخطه، وثبت عندي أنه خطه، ثم قال؛ وقال جماعة من العلماء: لا يلزم فيها شيء سوى كفَّارة اليمين باللَّه تعالى، [بناء على أن لفظ اليمين لا ينطلق إلا على اليمين باللَّه تعالى] (٢)، وما عداه التزامات لا أيمان. قال: والدليل عليه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كان حالفًا فَلْيَحْلف باللَّه أو لِيَصمُت" (٣).

[[مذاهب القائلين بأن فيها كفارة]]

والقائلون بأن فيها كفارة يمين اختلفوا: هل تتعدد فيها كفارة اليمين بناء على أقل الجمع أو ليس عليه إلا كفارة واحدة لأنها إنما خرجت مخرج اليمين الواحدة كما أفتى به أبو عُمَر بن عبد البر (٤) وأبو محمد بن حزم (٥)؟ وقد كان أبو عمر يفتي بأنه لا شيء فيها أَلبتة، حكاه عنه القاضي أبو الوليد الباجي (٦)، وعاب عليه ذلك، قال: "ومن العلماء من رأى أنه يختلف بحسب اختلاف الأحوال (٧) والمقاصد والبلاد، فمن حلف به قاصدًا للطلاق أو العتاق لزمه ما ألزمه نفسه، ومن لم يعلم مقتضى ذلك ولم يقصده ولم يقيّده العرفُ الغالب الجاري لزمه فيها كفارة ثلاثة أيمان باللَّه، بناء على أن أقل الجمع ثلاثة، وبه كان يفتي أبو بكر الطرطوشي ومَنْ بعده من شيوخنا الذين حملنا عنهم، ومن شيوخ عصرنا من كان


(١) مطبوع بعنوان "التحصيل من المحصول" عن مؤسسة الرسالة بتحقيق الدكتور عبد الحميد أبو زنيد.
(٢) قال (و): "هذا هو الحق"، وما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٣) هو جزء من الحديث المتقدم "إن اللَّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، ومضى تخريجه.
(٤) انظر: "الاستذكار" (١٧/ ٣٦).
(٥) انظر: "المحلى" (١٠/ ١٢٤).
(٦) في "المنتقى" (٤/ ٧ - ٨).
(٧) في (ن) و (ق): "باختلاف الأحوال".

<<  <  ج: ص:  >  >>